سعيد بعزيز: حكومة التعايش مع الأزمة وغياب الرؤية المستقبلية

سعيد بعزيز: حكومة التعايش مع الأزمة وغياب الرؤية المستقبلية سعيد بعزيز

تداول بعض أعضاء الحكومة بما في ذلك رئيسهم، في البرلمان وفي خرجاتهم الإعلامية والفايسبوكية، خلال الأسبوع الأخير، عبارة مفادها أن الحكومة لا تتوفر من جهة أولى على تصور جاهز لطريقة رفع الحجر الصحي، ومن جهة ثانية على تصور لطريقة تدبير الأمور فيما بعد الجائحة، بل منهم من أكد يوم الاثنين المنصرم، على أنه لا حديث على مرحلة ما بعد الأزمة، حتى نبدأ فيها.

 

هذا الموقف كاف، لإعلان مشروعية طرح النقاش حول سؤال الحاجة إلى حكومة وحدة وطنية تستمر في بناء التلاحم والإجماع الوطني، وتعمل على إنقاذ البلاد، مما يهددها من انتكاسة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.

 

إن الظرفية الحرجة التي تمر منها البلاد، ونحن لا تفصلنا عن 20 ماي إلا عشرة أيام، هي مرحلة حاسمة ودقيقة بامتياز، كان على الحكومة أن تدخلها، وهي تتوفر على كل الاحتمالات الممكنة والمستبعدة، وتخرج على الأقل، بتصور أولي حول طريقة رفع الحجر تدريجيا، وكذا محاور استراتيجية شاملة تتعلق ببديل اجتماعي واقتصادي حقيقي.

 

والبقاء على هذه الحالة، والعمل بمنطق اللحظة والتعايش مع الأزمة، في ظل غياب رؤية واضحة في مختلف تدخلاتها، حيث الارتباك هو سيد الموقف دائما، حتى أصبحت في نظر الجميع حكومة غير مقنعة تماما، بل الأكثر من ذلك حكومة صانعة للأزمات من خلال مشروع قانون رقم 22.20 يتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، وتأجيل عملية عودة المغاربة العالقين بالخارج إلى أرض الوطن، وتأجيل تسوية جميع الترقيات المبرمجة في ميزانية السنة الجارية، وجميع مباريات التوظيف ما عذا تلك التي سبق الإعلان عن نتائجها، والتدخل المحتشم في إغلاق مجموعة من الوحدات الصناعية التي لا تتوفر على شروط الصحة والسلامة في أماكن العمل، وتقديم الدعم بسخاء لجهات لا تستحقه، مقابل حرمان العديد من الأسر التي تنتمي للفئة الهشة والفقيرة والعاملين في القطاع غير المهيكل من الدعم الذي يخوله لهم الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا "كوفيد ـ 19"، وفشل عملية التعليم عن بعد، والارتباك الحاصل في مصير السنة الدراسية، وتسجيل وجود قطاعات حكومية ووزراء في وضعية عطالة خلال حالة الطوارئ الصحية... إلخ، كلها قضايا ساهمت في انطلاق شرارة احتجاجية تتفاوت حدتها بين إعلان عدم الرضى، والمطالبة بإلغاء القرار الحكومي، وهذا يؤثر سلبا على الثقة في المؤسسات، في وقت أكد فيه جلالة الملك على الحكومة بالتعامل بشفافية مع المواطنات والمواطنين المغاربة بخصوص كل الإجراءات التي تهم التعاطي مع "فيروس كورونا".

 

هل هذا يعني أن الحكومة تفرغت لإعطاء الأرقام المتعلقة بتطور الحالة الوبائية ببلادنا، وحث المواطنات والمواطنين على البقاء بمنازلهم؟

 

أعتقد أن الوضع الشارد للحكومة في حاجة إلى التصحيح، انطلاقا من المعطيات المتوفرة عالميا ومحليا، فعلى المستوى الدولي، أشار صندوق النقد الدولي، في تقريره الأخير حول "أفاق نمو الاقتصاد العالمي" إلى انخفاض الانتاج العالمي وتراجع الاقتصاديات المتقدمة بفعل انخفاض ناتجها المحلي الإجمالي، بنسب كبيرة مقارنة مع ما تعرفه الدول الصاعدة، مع استثناء دولتي الصين والهند، مما يعطي صورة أولية حول الاقتصاد العالمي وأقطابه ما بعد الأزمة.

 

وعلى المستوى المحلي، وكما هو معلوم، صدر مرسوم بقانون رقم 2.20.320 يتعلق بتجاوز سقف التمويلات الخارجية، من أجل تمكين الحكومة من اللجوء إلى الاقتراض لتوفير وتأمين الرصيد الاستراتيجي الوطني من العملة الصعبة لارتباطها المباشر مع السيادة، بعد تأثر قطاعات السياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة، والقطاعات المصدرة، وتحويلات مغاربة العالم... إلخ، فالحاجة إلى العملة الصعبة، كفيلة بدفع الحكومة إلى التفكير في القطاعات المذكورة، خاصة السياحة والتصدير وكل القطاعات التي توفر العملة الصعبة، في مرحلة أولى يمكن وصفها بالصعبة، من أجل إعادة بناء الاقتصاد الوطني من جديد، ثم التوجه نحو الإحياء التدريجي لباقي القطاعات المشغلة في المرحلة الموالية مباشرة، من أجل الحفاظ على مناصب الشغل والتخفيف من التداعيات الاجتماعية للجائحة، مع الاهتمام بالتصنيع الوطني والتحفيز على الابتكار، بشكل استثنائي، من أجل دعم وتقوية كل إنتاج وطني محض، سيما أن مرحلة الأزمة التي تمر منها بلادنا والحاجة إلى بعض المعدات والتجهيزات الطبية، التي كانت وراء إنتاج الكمامات وأجهزة التنفس الاصطناعي وأدوية الكلوروكين.

 

وعلى المستوى الاجتماعي، لابد من التوجه نحو توفير شروط العيش الكريم والحماية الاجتماعية العادلة والمنصفة، بشكل يسمح للفئات الهشة والفقيرة بالترقي الاجتماعي، ومجابهة تسريح الأجراء واستفحال البطالة، مما يجعل الرهان الاجتماعي الأول والأخير على الصحة والوعي المجتمعي والعيش الكريم، أي الصحة والتعليم والشغل هي مفاتيح المرحلة المقبلة.

 

إننا في حاجة إلى استراتيجية شمولية ومرنة، قوامها التضامن والتلاحم الوطني، للتعايش مع الأزمة الاقتصادية العالمية غير المسبوقة وتجاوز تداعياتها على الاقتصاد الوطني وتوفير حماية اجتماعية عادلة ومنصفة، في إطار دولة قوية ومجتمع حداثي متضامن.