الباحث محمد حفيظ يقرأ الخطاب الإعلامي في زمن كورونا (8 - الأخيرة)

الباحث محمد حفيظ يقرأ الخطاب الإعلامي في زمن كورونا (8 - الأخيرة) محمد حفيظ

حل محمد حفيظ، الأستاذ الباحث بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، والصحافي سابقا، ضيفا على حلقة من حلقات الجامعة الرقمية، التي تنظمها حركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية، خلال فترة الحجر الصحي؛ وكان موضوع الحلقة هو "قراءة في الخطاب الإعلامي في زمن كورونا".

"أنفاس بريس" تنقل لقرائها، في حلقات، هذا الحوار مع محمد حفيظ الذي جرى بثه على اللايف مساء يوم السبت 25 أبريل 2020.

 

الحلقة الأخيرة: ليس دور الإعلام هو التصفيق والتثمين ولكن اليوم جاء فيروس كورونا كي يعري هذا الواقع

 

هل المؤسسات المغربية تسخر بشكل كاف ومتوازن منابرها لتشكيل الوعي الصحي لمواجهة فيروس كورونا؟

أظن أنك تقصدين بالمؤسسات المغربية المؤسسات الإعلامية. بالنسبة إلى المستوى المتعلق بالتحسيس والتوعية بسبل مواجهة الفيروس، يمكن أن أقول إن وسائل الإعلام، خاصة التلفزة والإذاعة، قامت بدور هام، واستحضرت تنوع الفئات والتنوع اللغوي، باستعمال العربية الفصحى والمغربية أو الدارجة، واللهجات الأمازيغية... لكنها لم تعتمد لغة الإشارة، وهو ما مثل حيفا كبيرا في حق فئة من المغاربة، هم كذلك في حاجة إلى معرفة ما يجري في بلدهم.

 

وعلى ذكر هذا المجهود الذي تم القيام به في ما يخص التوعية والتحسيس، فإن آثاره بادية. أنا ليست لدي معطيات أو أرقام كاملة عن نسب المشاهدة اليوم في القنوات التلفزية المغربية، ولكن أعلم أن نسبة مشاهدة القنوات التلفزيونية المغربية قد ارتفعت، لأن المصدر الذي يطمئنون إليه، في ما يخص المعلومات المتعلقة بالجانب الصحي أو بالدعم لفائدة بعض الفئات المتضررة من الحجر الصحي أو بالقوانين التي تصدر عن الحكومة، هو الإعلام الرسمي الذي يتجسد عندهم أولا في القنوات التلفزية العمومية.

 

وفي جانب آخر، لاحظنا أن هذه القنوات لعبت فقط دور الوسيط في نقل المعلومات التي تتعلق بهذا الفيروس المستجد، من خلال ما تمدها به وزارة الصحة أو من خلال ما يصدر عن منظمة الصحة العالمية إلى المغاربة، ولاحظنا أنها اضطرت إلى الاستعانة ببعض صناع المحتوى الرقمي من خارج الجسم الصحافي، وهنا برز دورهم. فالإيقاع الذي سار فيه هذا الوباء تجاوز الإمكانات التي تتوفر عليها وسائل الإعلام العمومي، سواء على المستوى المادي أو على المستوى البشري. وربما لأول مرة وجدت نفسها مجبرة على مخاطبة جميع المغاربة، بتنوع  فئاتهم الاجتماعية ومستوياتهم التعليمية وأصنافهم العمرية، في وقت واحد. وهذا يجب أن تستفيد منه وسائل إعلامنا وتهيئ وسائل العمل واللوجستيك والموارد البشرية، لأنه بدون إعلام فالآن كل القرارات التي تصدر عن الحكومة الفي ما يخص هذه الجائحة فإن الجسر الوحيد الذي تمر منه هو وسائل الإعلام، سواء كان إعلاما عموميا أو أعلاما خاصا  وساء كان صحافة ورقية أو إلكترونية أو إذاعة أو تلفزة  وتأكد كما هو معروف أنه لا يمكن أن نتصور دولة بدون إعلام.

 

ولذلك، فقد فوجئت بذلك الخطأ الكبير المتمثل في إقصاء صحافيي الصحافة الورقية والصحافة الإلكترونية من الاستثناء من قرار حظر التنقل الليلي الذي منح لزملائهم في القنوات التلفزة والإذاعات... وهذا اعتداء صارخ على حرية الصحافة. ولم أفهم لماذا لم يتدخل المجلس الوطني للصحافة وهو المؤسسة المعنية بالتنظيم الذاتي للمهنة. نحن محتاجون اليوم إلى كل اصناف الصحافة. فالصحف الإلكترونية مثلا موجودة في مختلف نقط المغرب، وتنقل الأحداث مباشرة، وبفضلها نعرف وقائع لا نجد لها أثرا في الإعلام العمومي. مثلا حالة الاعتداء على المواطنين بالتصرفيق والركل من طرف أحد عناصر السلطة  لم نتابعها في القنوات التلفزية الثلاث، مع أنه ينبغي أن تحظى بالمتابعة التي تستحقها إخبارا وتعليقا، لتخبر بها بكل شفافية، وبالإجراءات التي اتخذتها وزارة الداخلية حتى لا يتكرر هذا. فالإعلام العمومي كما قلت مازال يشتغل في إطار آلية الإظهار والإخفاء.

 

ليس دور الإعلام هو التصفيق والتثمين، نحن لسنا في حاجة إلى هذا النوع من الإعلام. نحن الآن في أزمة ويجب أن نتعامل معها بكل وضوح وبكل شفافية وبكل جرأة. وهذه الأزمة عرت عن الحقائق كما هي. لقد كان الكثير من الناس ينبهون منذ زمان إلى هذه الحقائق لأنهم يعيشونها يوميا، كانوا ينبهون مثلا إلى خطورة الوضع الصحي أو وضع التعليم... ولكن اليوم جاء فيروس كورونا لكي يعري هذا الواقع، فلا أحد إذن يستطيع أن يخفي هذا الواقع، ويجب على الإعلام أن يرقى في التعامل مع هذه الأزمة. لا ينبغي أن يستمر في التصفيق. نعم الإجراءات الاستباقية كانت قرارات إيجابية، ولكن التدابير التي يتم اتخاذها الآن فيها نقاش، ويجب أن يشرك الجميع في مناقشتها، ولا ينبغي الاستمرار في إبعاد وإقصاء وجهات نظر من أي مناقشة. ويجب أن نطلع المواطنين بما يجري ويخص تدبير بلادهم بكل شفافية.

 

وسأعطي مثالا عما وقع (يوم الأربعاء 22 أبريل 2020). انعقد اجتماع عن بعد جمع لرئيس الحكومة مع قادة الأحزاب الممثلة بالبرلمان بكل تلاوينها؛ أحزاب الأغلبية الحكومية والأحزاب المعارضة باختلافاتها، بعض الأحزاب مثلها أمناؤها العامون وأحزاب أخرى حضرها عضو من قيادتها، وخصص اللقاء للظرفية التي يمر بها المغرب بسبب فيروس كورونا، واستمر الاجتماع حوالي أربع ساعات. إذن، إذا استحضرنا طبيعة الأحزاب المشاركة في الاجتماع؛ أحزاب الأغلبية الحكومية التي يفترض أنها تدبر الشأن العام، وأحزاب المعارضة التي يفترض أن لها وجهة نظر معارضة للحكومة وأغلبيتها، وهي كذلك معنية بالشأن العام من موقع المعارضة، وغذا استحضرنا الظرفية التي ينعقد فيها الاجتماع وموضوع الاجتماع الذي سينشغل بالتداعيات الاجتماعية والاقتصادية، والمدة التي استغرقها الاجتماع... فهذا يعني أن الاجتماع في حد ذاته ذو أهمية بالغة. لكن بعد الاجتماع، سيفاجئنا رئيس الحكومة ببلاغ يتيم لا يتجاوز بضع  كلمات، لم يتجاوز صفحة واحدة، ولم يقل فيه شيئا، بلاغ لم يبلغ بأي شيء. هذه ليست مسؤولية حين يتم التعامل مع المغاربة بهذه الطريقة. أربع ساعات من الاجتماع تنتهي بإصدار بلاغ يفيد أن أولئك الزعماء جاؤوا ليثمنوا الإجراءات! هل تلك القيادات الحزبية اجتمعوا بك فقط لتثمين تلك الإجراءات التي اتخذتها الحكومة؟! كان ينبغي أن تخبر المغاربة بالتوجهات الكبرى التي برزت خلال ذلك الاجتماع الطويل؛ أين كان الاتفاق؟ أي كان الاختلاف؟ ما هو برنامج هذه اللقاءات؟ فلا يمكن أن ينعقد ذلك الاجتماع فقط من أجل التطبيل؟ هذا أسلوب سبق للمغرب أن جربه سنوات، ونحن اليوم لسنا في حاجة إليه، لسنا في حاجة إلى أن ننشغل بصنع إجماع ما. نحن مجمعون على محاربة الوباء. هذه الطريقة مسيئة للعمل السياسي.

 

وحتى الإعلام لم ينقل ما راج في ذلك الاجتماع، ومن حق المغاربة جميعهم أن يعلموا ما جرى فيه. وهذا يقدم مؤشرات على أننا لسنا في مستوى اللحظة، فإذا كانت إجراءاتنا استباقية ونجحنا في أن نحد من انتشار هذا الوباء اليوم، فستكون له تداعيات خطيرة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، ويجب أن نتهيأ لمرحلة بعد كورونا. ولكي نتهيأ لها كما ينبغي، يجب أن يشارك الجميع في صياغة قواعدها وإعداد مشاريعها واستحضار الروح اتي عبر عنها المغاربة بشكل جماعي في مواجهة هذه الجائحة.

 

(انتهى)