يوسف لهلالي: هل تفشل فرنسا في خطة الخروج من العزل الاجتماعي ؟

يوسف لهلالي: هل تفشل فرنسا في خطة الخروج من العزل الاجتماعي ؟ يوسف لهلالي
أقرت الحكومة الفرنسية خطة للخروج التدريجي من العزل الصحي، تهدف إلى تحقيق توازن دقيق بين إنعاش الاقتصاد والحد من الوباء في آن واحد، و فرض الكمامات الواقية في وسائل النقل العمومي، وفتح المدارس والمقاولات. لكن خطة الحكومة تعرضت للنقد وشككت أحزاب المعارضة وعمداء بعض البلديات في قدرة الحكومة على إنجاح خطتها لعدم توفر الوسائل اللازمة لهذه السياسة. منها النقص الكبير في الكمامات وصعوبة فرض مسافة الأمان في وسائل النقل و في المدارس التي يرفض بعض عمداء البلديات فتحها أمام الأطفال.
مما يطرح تساؤلات عديدة حول الخطة المتعلقة بالخروج من الحجر الصحي المقررة ابتداء من 11 ماي الجاري، والتي رفضتها المعارضة ولم يصوت عليها مجلس الشيوخ. و لا تزال العديد من الشكوك قائمة، لاسيما بشأن مسألة العودة إلى المدارس، والانتعاش الاقتصادي أو فحص وتتبع المرضى.وهي كلها مواقف أسقطت الإجماع الوطني الذي كان بفرنسا حول مواجهة جائحة كورونا.
الحكومة تؤكد أنه ستكون هناك "كمامات كافية في البلاد لتلبية الاحتياجات" في فرنسا، وهي إحدى الدول الأكثر تضررا بالجائحة.وقال رئيس الحكومة "نحن بصدد تسلم نحو 100 مليون قناع جراحي في الأسبوع حاليا، وسوف نتلقى ما يقرب من 20 مليون قناع للاستخدام العام قابلة للغسل اعتبارا من ماي"، مضيف ا أن العاملين في المدارس والتلامذة سيحصلون على حاجياتهم منها . لكن اغلب الفرنسيين يشككون في قدرة حكومتهم على توفير هذه الحاجيات، ووصلت نسبة المشككين هذه إلى نسبة 62 في المائة حسب آخر استطلاعات الرأي.
وسعيا لاحتواء الوباء، قال الوزير الأول إنه سيتم أسبوعيا إجراء 700 ألف اختبار للأشخاص الذين يعانون من أعراض فيروس كورونا المستجد. وقال "سنترك الخيار للشخص الذي أعطى اختباره نتيجة إيجابية لعزل نفسه في المنزل، مما سيؤدي إلى عزل كل من في المنزل لمدة 14 يوما، أو عزل نفسه في مكان متاح له، لا سيما في فنادق" ستخصصها الدولة لهذا الغرض.
وأكدت وزارة الاقتصاد أنه بحلول نهاية أبريل سيتم توفير 26 مليون كمامة أسبوعيا للعامة بالإضافة إلى 20 مليون كمامة صحية للمهنيين مع نهاية شهر مايو.لكن الجميع يشك في إمكانية توفير الحكومة للكمامات لجميع الفرنسيين يوم 11 من ماي المقبل وهو التاريخ الذي حددته الحكومة من اجل بداية رفع الحجر الصحي بفرنسا .
كما أن جزءا من الرأي العام الفرنسي لم يعد يثق في الطريقة التي تدير بها الحكومة هذه الأزمة الصحية، وخطتها للخروج من الحجر الاجتماعي. خاصة خطة إعادة فتح المداس التي قدمتها أمام البرلمان التي يرى الجميع استحالة تطبيقها .وهو الموقف الذي عبر عنه العديد من عمداء المدن، حوالي 300 منهم عمدة مدينة باريس أن ايدالغو الذين بعثوا برسالة في هذا الشأن إلى رئيس الجمهورية ايمانييل ماكرون. اغلب عمداء المدن يعتبرون أن فتح المدارس أمر صعب دون المخاطرة بالتلاميذ، خاصة أن هناك خطورة المتابعة القضائية لمسئولي المدن في حالة تفشي المرض بين التلاميذ.
لهذا فان فتح المدارس لن يكون إجباريا، كما كانت ترغب في ذلك الحكومة بل اختياريا حسب إمكانيات كل مدينة. وكل مدينة أعلنت عن تاريخ خاص بها لفتح المدارس أمام الأطفال وعلى مراحل.
أغلب المدارس لا يمكن أن تستقبل إلا ربع التلاميذ الذين يدرسون في الوقت العادي وهو ما يطرح مشكلا آخر، هل سيتم التناوب على الفصول؟ هل سيتم تقسيم التلاميذ إلى مجموعات صغيرة كل واحدة تأتي في وقت مختلف.وهل تتوفر المدارس على الإمكانيات البشرية التي يتطلبها استقبال التلاميذ في ظل هذه الجائحة.
المشكل المطروح في المدارس هو نفس المشكل المطروح في وسائل النقل العمومية وفي المدن الكبرى مثل باريس، كيف سيتم احترام مسافة التباعد في وسائل النقل خاصة في أوقات الذروة حيث يريد الجميع أن يعود الى مقر سكناه. المسؤولين عن النقل عبروا عن عدم قدرتهم وبالوسائل التي يتوفرون عليها الآن فرض احترام هذه المسافة على مستعملي وسائل النقل. وهو ما دفع العديد من المسؤولين إلى مطالبة المقاولات بالاستمرار في اعتماد العمل عن بعد وإقرار مواقيت مختلفة للعمل من اجل تجنب الازدحام والتكدس في وسائل النقل.
لهذا فان كل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفرنسية من اجل رفع الحجر الصحي في 11 من ماي المقبل هي مهددة، وهو ما يوحي أن الحجر الاجتماعي سوف يستمر إلى فترة زمنية إضافية، في انتظار توفير الوسائل من أجل رفع الحجر في ظروف لا تشكل خطورة على صحة المواطنين.
وحول توفير الكمامات الصحية، فقد اأعطى عدد من السياسيين مثال المغرب في توفير حاجيات السكان من الكمامات الواقية وبأثمنة في متناول الجميع، وهو الأمر الذي تناولته أيضا العديد من وسائل الإعلام الفرنسية سواء المكتوبة أو المرئية.
لكن هناك معارضة من بعض الأحزاب السياسية في البرلمان ومن عدد كبير من عمداء المدن لهذا الخروج وإنهاء العزل الذي أقرته الحكومة الفرنسية، وترى ضرورة تأجيله من اجل توفير الشروط اللازمة، لعدم جاهزية فرنسا لهذه العملية، وهو الخروج التدريجي من العزل الاجتماعي، سواء في وسائل النقل العمومي أو في المدارس أو المقاولات ومختلف المصالح التي تريد الدولة فتحها أمام العموم.