محمد بوبكري: ضد مشروع القانون 22/20 وضد إيديولوجية الإسلام السياسي

محمد بوبكري: ضد مشروع القانون 22/20 وضد إيديولوجية الإسلام السياسي محمد بوبكري
بداية، أريد أن أعبر عن موقفي الثابت المدافع عن حرية التفكير والتعبير والحريات الفردية كما هو منصوص عليها في المواثيق و المعاهدات الدولية . لذلك فأنا أعارض مشروع القانون 22/20 الذي يعتدي على حرية التفكير و التعبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي . إنني أرفض المساس بحرية التعبير و التفكير التي هي منصوص عليها في دستور مغربنا العزيز. وللتذكير، فالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، على رأس القوى الوطنية الديمقراطية، قد كرس تاريخه للدفاع عنها، حيث قدم تضحيات جسيمة من أجل ذلك... لكنني لا أقبل توظيف هذه المبادئ للتدليس والتضليل، حيث يحاول البعض التغطية عن خطاياه وجرائمه  عبر تحويل هذه المبادئ إلى حق أريد به باطل.     
ليس الدين اليوم في المغرب مجرد معتقد، إذ حرص «فقهاء» جماعات الإسلام السياسي ببلادنا على إقحامه في كل شيء بما في ذلك أشد الأمور حميمية عند الإنسان، وذلك في وقت يتعين علينا أن ننخرط في الثقافة الكونية التي فصلت بين الدين والسياسة ومكنت الفرد من حقوقه كافة بما هو فردٌ، وبنت مجتمعات مدنية وسياسية. وهذا طريق كوني لا يمكن حدوث أي تطور مجتمعي بدونه.
وقد تبنّت هذه الثقافة الكونية روح النقد والفحص، ما مكّنها من تفكيك الأصولية المسيحية وتحرير المجتمعات الغربية من محاكم التفتيش والدوغمائية العقائدية المؤدية إلى التحجر والانغلاق والجمود الذي لا ينجم عنه سوى الاقتتال والحروب الطائفية، كما أن هذه الثقافة قد أبدعت العقلانية العلمية وبنت المؤسسات الديمقراطية....
 وتكمن المشكلة عندنا في أن جماعات الإسلام السياسي الحنبلي تسعى إلى تحويل الإيمان الديني إلى أداة ومؤسسة رغم أن ذلك يشكل عدوانا على الإنسان، إذ يجرده من حريته ويحرمه منها.              
 فعندما أقرأ النص القرآني، أَجِد أنه يخاطبني باعتباري فردا. فأنا مع حرية التديّن، والمجتمع الذي لا يعترف بذلك، ولا يعترف بالتعددية الدينية ولا بحرية المعتقد، ولا بحرية التفكير والتعبير ، هو مجتمع لا تديّن له، لأنَّ الإيمان يبقى شأنا فرديا، بل يجب ألا يتحول إلى مؤسسة، أو نظام يٌفرض على الآخرين بالإكراه أو العنف. 
لا يمكنني أن أفرض تأويلي الخاص للقرآن الكريم على الآخرين، لأن ذلك يشكل اعتداء على حريتهم الفكرية. فلا ضمانة ولا حجة لي تجعلني أقبل التأويل الخاص للقرآن المجيد لأي كان بأنه الحقيقة المطلقة.  
 لذلك، يجب التخلص من قيام المجتمع على ثقافة دينية جامدة . ولا يعني ذلك أنني ضد الإيمان الديني؛ فالتدين شبيه بالحب كما عاشه المتصوفة، والإنسان في حاجة إلى الدين لتنظيم علاقته بالغيب، ومن ثمة فهو حاجة كيانية، ولكن مع جماعات الإسلام السياسي وأحفاد ابن تيمية لا حرية للفرد في أن يفكر بحرية. 
فقبل عصر الانحطاط الذي ابتدأ في القرن الثالث عشر الميلادي، كان الإسلام منفتحا وديناميكيا، وأبدع المفكرون المسلمون الكثير من الكنوز الفكرية، لكنه، وبفعل ففقهاء الانحطاط المتحجرين، تحوٌّل إلى قوانين شكلية فارغة قسرية وجامدة لا روح فيها. ومع بداية عصور الانحطاط، عرف العالم العربي والإسلامي انقلابا في القِيَّم، حيث كان الإسلام في عصره الذهبي يتسم بنزوع كوني، لأنه انفتح عَلى كل الثقافات والحضارات وتفاعل معها واستفاد منها، ما مكّٓن المفكرين المسلمين من إنتاج مؤلفات عظيمة  شكلت تراثا عربيا إسلاميا رائعا. ونتيجة فترة الانحطاط، تقوقع الإسلام  وانغلق على  نفسه، وضاق  أفقه وسقط في العنصرية . إضافة إلى ذلك، فقد سمح الإسلام في عصره الذهبي بتعددية الأفكار والآراء والمعتقدات والمذاهب، فصار مع عصور الانحطاط لا يقبل الاختلاف في الرأي وتعدد العقائد والمذاهب والاتجاهات. وبذلك انتقل من قبول الحرية إلى ممارسة الإقصاء وفرض الانصياع والطاعة والعبودية. هكذا، فبعد أن كان الإسلام في عصره الذهبي دين الانفتاح، صار في عصور الانحطاط دين الانغلاق والقتل والتفجير وتفتيت الأوطان...
 ليس الدين المحمدي هو الصورة المشوهة التي شكلها عنه الأصوليون المتطرفون الحنبليون. لذلك، فالإسلام ليس مسؤولا عن هؤلاء، ولا علاقة له بهم، ما يقتضي ألا يدفع أي ثمن عما ارتكبوه من جرائم، كما أن المسيح ليس مسؤولا عن فظاعات محاكم التفتيش والحروب الصليبية، ويجب ألا يدفع كلفة هذه الكوارث.... 
 ونظرا لكون الحنبلية من أخطر ما أنتجته عصور الانحطاط، لأنها تحوَّلت إلى مذهب يعتنق القتل والتفجير، حيث لا يزال ابن تيمية إلى اليوم يحصد الكثير من الأرواح البشرية من قبره على يد أحفاده وأتباعه. لذلك لا يمنح الوجه السياسي للحنبلية للإنسان أية هوية منتجة ومبدعة، وإذا ما فعلَ، فهو يعطيه هوية موغلة في الانغلاق والتعصب والتدمير والانتحار والقتل، ما يناقض وجود الفرد. فالجمود والانغلاق هما، من حيث طبيعتهما، ضد الفرد، وما يناقض الفرد هو قاتل لهويته، إذ لا هوية في غياب الفرد، لأنَّ الفرد هو الذي يبنيها ويبدعها باستمرار عبر عمله وإبداعه... لذلك، لا هوية في غياب الفرد الحر المبدع..  
إن جماعات الإسلام السياسي في المغرب غارقة في الحنبلية. ومع هذا المهذب لا حرية للفرد في أن يفكر بحرية، رغم أن الدين ليس هشا، بل إنه قوي لا يمكن الخوف عليه من الانهيار بسبب الحرية الفكرية الفردية. فالحرية تٌمٓكِّن الفرد من فهم الدين فهما أفضل، فيزداد احترامه وتقديره له، فلا السياسة عموما ولا الاقتصاد يمنحان هوية للشعوب، وبل الحرية والإبداع بشتى أنواعهما هما ما يفعلان ذلك.
      فضلا عن ذلك، فالقبيلة والطائفة والأمة هي مفاهيم إيديولوجية لتذويب الفرد ومحوه، كما أنها مناقضة للحرية والفردانية اللتين بدونهما لا يمكن التخلٌّص من سلاسل النسق التقليدي واستشراف المستقبل وبناء مجتمع حداثي، ما يجعل الفردانية تشكل مدخلا للنقد والإبداع والنمو والتضامن والتطور، وبناء مؤسسات ديمقراطية... وهذا ما يستوجب حرية الفرد التي تمكنه من إدراك ذاته والانفتاح على الآخر والتطلع إلى المستقبل عبر إنتاجاته وإبداعاته.
    لا يمكننا اليوم التطور علميا إلا باعتماد عُدّة منهجية متعددة ومتنوعة تمكننا من النفاذ بفعالية إلى عمق القرآن الكريم أكثر وأعمق مما قام به السلف، الأمر الذي يستوجب عدم تقديس تأويل السلف للقرآن المجيد. فلا يعني احترامي للسلف أن آخذ ما خلٌٓفه حرفيا وكليا، حيث توجد فيه أشياء مفيدة يمكن أن نستفيد منها، كما توجد فيه أشياء لم تعد مناسبة لعصرنا، لأنها أصبحت متجاوزة. لذلك، فقيمة السلف لا تكمن في كونه مرجعية مطلقة بقدر ما تتمثل في كونه موضوعا للتساؤل والبحث والاستشراف والإبداع، ما يقتضي حرية الفرد...
 هكذا، فإذا ما اشتد عود جماعات الإسلام السياسي وتمكنت في المجتمع، فإنها ستناهض الحريات الفردية. وقد ترجع بنا إلى محاكم التفتيش التي سادت في القرون الوسطى وما ارتكبته من إجرام في حق الإنسانية. لذلك، تمارس هذه الجماعات النفاق، فتبدو اليوم بمظهر يتعارض مع حقيقتها الفعلية، حيث ستمارس التقية وتعبر عن دفاعها عن الحقوق الفردية، و إذا تمكنت، سنقلب على الفرد والمجتمع وتمارس فاشيتها ضدهما وضد حقوقهما. وتاريخها البعيد والقريب مليء بالأمثلة على ذلك.