عبد الإله حسنين: تحية اعتراف للأخ فؤاد المذكوري

عبد الإله حسنين: تحية اعتراف للأخ فؤاد المذكوري فؤاد المذكوري، و الدكتور عبد الإله حسنين(يسارا)
احتفل المغرب كباقي دول العالم سنة 1979 بالسنة الدولية للطفل، وبهذه المناسبة نظمت حركة الطفولة الشعبية شهر يوليوز من نفس السنة مهرجانا كبيرا بمخيمات خرزوزة لفائدة 1000 من الأطفال والأطر والمسؤولين من مختلف مدن المغرب وقراه أطلقنا عليه مهرجان الوحدة، وشاركت فيه وفود من دول أجنبية عربية وغربية. ومن بين الوفود المشاركة وفد من أطفال ومرافقي منظمة الطلائع العراقية الذي عاش ظروفا استثنائية خلال هذه المرحلة وبالضبط يوم 16 يوليوز، حيث وقع انقلاب أبيض على الرئيس أحمد حسن البكر وأعلن حزب البعث الحاكم آنذاك إصابته بمرض الباركنسون ليصعد صدام حسين للسلطة كرئيس. وصمم يومها رئيس الوفد على السفر إلى الرباط للتأكد من صحة الأخبار التي وصلتنا عن طريق الإذاعة الوطنية ولم يصدقها فما كان علينا إلا الرضوخ لطلبه، حيث تأكد وعاد إلى المهرجان.
 
وقد تميز هذا المهرجان بإدارته المتنوعة التي شملت أكثر من عشر مسؤولين مركزيين كان من بينهم آنذاك شاب وسيم من طينة نادرة في التعامل والتدبير والإدارة والتسيير بل في الخلق والإبداع والمبادرة والفعالية، هو الأخ فؤاد المذكوري شافاه الله وعافاه، فلا زلت أتذكر خلال التحضير لهذا المهرجان كم كان متحمسا للأفكار الجديدة وباحثا عن الإمكانيات لتنزيل المشروع على أرض الواقع ومتصلا بالشركات والداعمين وبالكتاب والناشرين وبالسفارات العربية لدعم خزانة المهرجان وبالأطباء والصيادلة لجمع الأدوية ومواد التمريض والعلاج.
 
وكان -أطال الله عمره- يستبق الأحداث فقبل بداية شهر يوليوز من نفس السنة، بدأ في تجميع التجهيزات من الأقلام ومتطلبات الأشغال اليدوية إلى الآلات الكاتبة وما يلزمها من الحبر والأوراق إلى الحبال واللافتات والصباغة وما يتبعها من فرشات إلى اللوازم الرياضية على اختلافها وتنوعها والألعاب العائلية حسب السن والموضوع، يهتم بالصغيرة والكبيرة ويسجل ما ينقصه حتى يشتريه لاحقا، لم يطمئن ولم يهدأ له بال إلا مع وصول الأطفال من شتى المدن والدول وانطلاق برامج المهرجان.
 
خالد كدحي يحاور السيد القادري وزير الشبيبة والرياضة يوليوز 1979 بخرزوزة ويتوسطهما فؤاد المذكوري
 
وقد كان التنظيم أحد الأعمدة الرئيسية لنجاح المهرجان فقد قسم إلى مخيمات مستقلة بالمديرين والمقتصدين وكل مخيم إلى جماعات برؤسائها وكل جماعة إلى وحدات بأطرها والساهرين عليها، فكم من المطابخ والطباخين والعملة وكم من الحطب والتموين والتجهيزات المطبخية وكم من صهاريج المياه التي كانت تتنقل بين مدينة مكناس وخرزوزة لتزويد مخيمات المهرجان بالمياه الصالحة للشرب .. في وقت تخلت فيه وزارة الشبيبة والرياضة عن مخيماتنا التي سميناها المخيمات البورية واهتمت بمخيماتها التي سميناها المخيمات السقوية.
 
السيد عبد الحفيظ القادري وزير الشبيبة الرياضة الاستقلالي المقتدر خلال تلك المرحلة،  زارنا بالمهرجان ووقع الترحيب به واستدراجه لإذاعة المهرجان حيث حاوره الطفل آنذاك خالد كدحي الكاتب المناضل اليوم الذي يعيش بمدينته الأصلية خريبكة، وسأله عن أسباب هذا التمييز غير المبرر بين المخيمات البورية والسقوية على الصعيد الوطني ولماذا هناك التجهيزات الكافية للمبيت والمأكل والبرامج التنشيطية ببعض المخيمات وانعدامها كلية بمخيمات أخرى والاقتصار على بعض أكياس من الجير؟ فما كان من الوزير إلا أن استغرب وتعجب لطفل يطرح مثل هذه الأسئلة.
 
ومن بين مميزات هذا المهرجان الجريدة المكتوبة قوس قزح التي كان يشرف عليها الأخ فؤاد المذكوري وتصدر يوميا بافتتاحية ومواد متنوعة يكتبها الأطفال وبعض الأطر وتنقل أخبار المخيمات والوفود المشاركة ويتم توزيعها على كل المشاركين بالمهرجان بنسخ محدودة على المخيمات الأخرى وإدارة خرزوزة وقيادتها التابعة لوزارة الشبيبة والرياضة، وقد اعتبرت الجريدة حينها تجربة رائعة ورائدة قادت حركة الطفولة الشعبية إلى مبادرات أخرى في مجال الكتابة والنشر وإصدار الجرائد المكتوبة على مستوى المخيمات فيما بعد.
 
الأخ فؤاد المذكوري لك مني عبر هذه الكلمات القليلة في حقك ومن جميع أخواتك وإخوانك في حركة الطفولة الشعبية وخارجها وعبر هذا المنبر المفتوح، تحية عالية ملؤها المحبة والاعتزاز والاعتراف بخدماتك الجليلة التي أسديتها لأطفال وشباب هذا الوطن في مختلف مراحل حياتك الغنية بالعمل والعطاء والمليئة بالسعادة والمحبة، التي رغم المرض الذي صرفك عنا مضطرا لا زال قلبك ينبض باسم حركة الطفولة الشعبية وروادها.