مصطفى المتوكل الساحلي: الدولة وضرورة مأسسة التعاون والتضامن والإحسان

مصطفى المتوكل الساحلي: الدولة وضرورة مأسسة التعاون والتضامن والإحسان مصطفى المتوكل الساحلي

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" تَعَوَّذُوا مِنَ الْفَقْرِ، وَالْقِلَّةِ، وَالذِّلَّةِ، وَأَنْ تَظْلِمَ، أَوْ تُظْلَمَ"، أخرجه أحمد.

 

تتبعنا منذ عقود عمليات تسليم مبالغ مالية محدودة، وتوزيع  المواد الغذائية على مجموعة من الناس في حضريا وقرويا تتباين محتوياتها من فرد إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى، ويتكرر المشهد  ويرتفع عدد الفقراء والمتسولين بين كل عيد وآخر وبين كل جمعة وأخرى بين الاستحقاقات السياسية .

 

وأصبحت تلاحظ بعض الظواهر المثيرة للانتباه بتحول هذه المعضلة الاجتماعية إلى سلوك مرسم يلتحق أصحابه بالشوارع وأمام المساجد وبين الأحياء وبالأسواق وأمام محلات التجار الكبار باحثين عن مداخيل طارئة وغير منتظرة قلت أو كثرت من كل من هب ودب في شرايين الفضاءات العامة، وبموازاة مع ذلك يتعفف العديد من الناس على أن يمدوا أيديهم لطلب دعم أو مساعدة حتى من الدولة، ويمكن  القول افتراضا أن التغاضي عن التسول يجعله مشروعا لاعتبارات وضرورات اقتصادية وسياسية ودينية وحتى أمنية رغم وجود تشريع يمنعه، ووجود دين ينادي بعدالة اجتماعية واقتصادية ترفع عن الناس الحرج بإخراج الفقراء من دائرة الخصاص إلى فضاء التضامن المحقق للكرامة والمدمج في عجلة  الإنتاج والتنمية.

 

وإذا تتبعنا السياسات الرسمية المعتمدة من طرف الدولة بإحداث صناديق وحسابات للتضامن والتماسك الاجتماعي.. و"الراميد" إلى حساب لمحاربة آثار أزمة (كوفيد 19) على الاقتصاد وسوق العمل وفقدان العديد من المواطنات والمواطنات لموارد  عيشهم ..

 

وستكون هذه المبادرات أكثر روعة وعطاء... إذا مداخل للاستعداد المتدرج للوصول إلى مأسسة عمليات التضامن ولبنائها بضوابط ومعايير القيام بواجب الأخوة الإنسانية مع المراعاة الكاملة لكرامة الإنسان ومكانته التفضيلية التي خصها الله به، لكن اختلطت الأمور وساءت بالمشهد العمومي، حيث طغت سلوكات تسيئ، بل وتشكك في مصداقية أعمال محمودة و مجهودات لا يستهان بأهميتها تقدم عليها الدولة وحتى بعض القطاعات الحرة، فمن المساس بقواعد الشفافية إلى الانتقائية، إلى توجيه الدعم لمن هم في غنى عنه إلى تسلل الزبونية والمحسوبية بأبعادها المختلفة السياسوية الموظفة لتوجهات حزبية وجمعويا وتأسلما،.. حيث أصبح مشهد توزيع المساعدات غير مرضي إذ أن هناك من يستغل الأموال العامة وفقر الناخبين والناخبات لاستقطابهم وشراء ذممهم بالتقسيط خلال سنوات كل ولاية انتخابية فتصبح  بعض البرامج المثيرة لانتباه الجميع هي الإطعام وتوزيع الألبسة البالية وأكياس المواد الغذائية، ونتج عن هذا سلوك مرضي آخر ميدانه هو مواقع التواصل الاجتماعي التي تنشر صورا توثق لمآسي فقرائنا ولصلافة وقلة أدب بعض الموزعين الذي يتعمدون الظهور و"الترويج" للفقر ولأنفسهم، هم في كامل انشراحهم والفقراء في حالة معاناة وانكسار مغطى بكلام تنويه لا يتلاءم مع واقع الحال وأسباب الظاهرة .كما أن أموالا أخرى توظف لأغراض التفريق بين الناس ونشر الكراهية والفكر التكفيري الطامح إلى بناء متوهم على أنقاض الحضارات الرائدة والمتقدمة لممارسة الاستبداد بكل مظاهره في مختلف مناحي الحياة تمتد آثاره السلبية التي تسعى للتحكم  في الأنفس وأنماط العيش والحرية والرأي والاجتهاد المتنور.

 

إن الأمر أصبح يتطلب من الدولة أن تتدخل بحزم لتنظيم وتدبير هذه الواجهة الكبيرة والأساسية للحد من آثار الخصاص والفقر والحاجة والهشاشة في أفق التحكم فيها والتغلب عليها، وأن تمنع بشكل كلي أي استغلال تحت أي مسمى من أية جهة كانت للمواطنين والمواطنات نخص منهم بالذكر الفقراء والمساكين.

 

إن كل العمليات الإحصائية التي أجريت وما واكبها من تحيين وتفصيل قامت به عدة مؤسسات من وزارة الداخلية والمندوبية السامية للإحصاء وفي علاقة ببرنامج الراميد.. أصبحت تحتاج الى عمليات تجميع وتصنيف وفق المعايير الإنسانية والاجتماعية والصحية والترابية لنتوفر وطنيا على إحصاء دقيق يحين بصفة مستمرة في علاقة بإيجاد الشغل، أو تحسن أوضاع البعض منهم، أو تردي أوضاع أشخاص آخرين، وأن يربط هذا العمل بعد إحداث مؤسسة تجمع كل صناديق الدعم الاجتماعي والإنساني، وأن تحول إليها كل أشكال الدعم المبرمجة من الجماعات الترابية ومن مؤسسات الدولة وصناديقها، وأن تدمج كل موارد التضامن في إطار عمليات محاسبية تجميعية تكاملية في علاقة بالضرائب بإحداث فصول تتعلق بحصص الزكاة وفق الشرع، وأن تحدث نسب مئوية تقتطع من موارد جبائية ورسوم على المواد الاستهلاكية الكمالية والثمينة والباذخة وتخصص نسب من الثروات الوطنية المختلفة للعملية، وأن يتم القطع مع استجداء وسعي مواطن أمام مواطن آخر للحصول على لقمة عيش، أو التطبيب ودواء، أو ملابس للأبناء، أو متطلبات الدخول للمؤسسات التعليمية .

 

إن من مرتكزات قوة الدولة  استقرار الموطنين والمواطنات بطمأنتهم وإقرار عيش كريم لهم  الذي من بين أوجهه  النيرة  تأهيل الجميع وإشراكهم في المساهمة العملية، كل حسب قدرته وطاقته في التنمية بما فيهم الذين يعانون من الفقر بإعداد برامج خاصة بهم ذات روح تضامنية  تطوعية تعاونية يقومون بها مع الدولة، بيئيا وتنظيميا وإنسانيا ولاكتساب المعرفة.