عبدالالاه حسنين: التضامن والتواصل في زمن الحجر الصحي

عبدالالاه حسنين: التضامن والتواصل في زمن الحجر الصحي د.عبدالالاه حسنين
نلاحظ اليوم أن عددا كبيرا من جمعيات المجتمع المدني الممتدة على تراب الوطن بصفة خاصة، قد أسرعت إلى ملائمة برامجها وطرق تنظيمها مع الوضعية الجديدة التي نعيشها بسبب الفيروس الجائحة وقواعد الحجر الصحي.
فهناك من جهة، إحساس عميق لدى أطر هذه الجمعيات بضرورة تفعيل التضامن مع الآخرين لاسيما من هم في الحاجة إلينا كالأطفال والمسنين والمشردين..، ومن جهة أخرى الإجراءات الاحترازية وضوابط الحجر الصحي التي تمنعنا من القيام بهذا العمل على الأقل بطريقة مباشرة كما تعودنا عليه، كما أنها أثرت كثيرا على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأفراد.
وللتذكير فقد عرف المغاربة التضامن منذ سنين ليس فقط داخل القرى والمداشر بل بالمدن والضواحي أيضا، والتضامن كقيمة إنسانية متجدرة داخل المجتمع تقوم على قاعدة أن الجماعة تكون في خدمة الفرد، ونلاحظ ذلك عند حدوث وفاة بالحي فالجيران يبادرون ويتكفلون بكل ما يتطلبه العزاء من أكل وشرب وتجهيزات وغيرها، وفي التويزة يجتمع السكان من دواوير مختلفة للقيام بعمل متعلق الفلاحة أو ببناء منزل لشخص أو مسجد للجماعة حيث الجماعة هنا تخدم الفرد، وفي شرط الطالب بالقرى والدواوير تتناوب العائلات على إطعامه وملبسه وفي ضيافته خلال المناسبات الدينية كالأعياد. ففي ظل فترات التضامن تمتحن المبادئ والشعارات المرفوعة وتوضع على محك الحقيقة والواقع.
إن المجتمع عندما يحقق التضامن لأبنائه كيفما كانت وضعياتهم الاقتصادية والاجتماعية فلكي يعمل على إدماج الأفراد في محيطهم وبيئتهم ويبعدهم عن الإقصاء والعزلة والهشاشة، والتضامن ليس فقط في توفير المأكل والملبس بل أيضا في الرفع من المعنويات والإحساس بالكرامة وبالحق في الحياة.
ونلاحظ أن الفئة القادرة على تحقيق قيمة التضامن داخل المجتمع هي فئة الشباب بامتياز، لأنها فئة العمل التطوعي والعطاء بسخاء وهي أيضا الشريحة القادرة على التواصل مع الفئات المهمشة والمشردة داخل المجتمع بكل الطرق المتاحة والتي تؤدي إلى تحقيق الهدف الأسمى وهو الإحساس بشرف الانتماء لهذا الوطن.
ورغم الصعوبات التي تصادفها الجمعيات العاملة في هذا المجال، لاسيما ومختلف قطاعات الدولة بما فيها وزارة الشباب والرياضة والثقافة والجماعات الترابية قررت تحويل جل الميزانيات المخصصة لدعم الجمعيات لدعم صندوق كورونا؛ هناك مبادرات عديدة في مجالات التحسيس والتوعية والتنشيط التربوي والثقافي عن بعد، وفي مجالات العمل الإنساني والتضامني نذكر من بينها مبادرة محلية صغيرة إلا أن وقعها الإنساني والإشعاعي كبير، وهم متطوعون من فروع حركة الطفولة الشعبية بجهة الدار البيضاء سطات مختلفوا الأعمار اجتمعوا حول فكرة نبيلة وهي البحث عن المشردين بالشوارع من الأطفال والشباب لإطعامهم، فالمعطيات الواقعية اليوم وفي ظل الوباء القاتل تغيرت وعدد كبير من المشردين الذين كانوا يقتاتون على بقايا المطاعم والمحلبات وبعض المنازل القريبة أصبحوا اليوم دون مأوى ولا مأكل تتم مطاردتهم لأنهم في الشوارع ويضلون مجتمعين لأن في ذلك أمنهم وحماية بعضهم البعض. وخلال 15 يوم تم إطعام حوالي 120 متشردا يوميا وتعقيمهم ومدهم بالملابس النظيفة والمعقمة، وتطورت الفكرة إلى الإيواء حيث تم فتح مركز تابع للطفولة الشعبية بدرب لوبيلا عمالة آنفا لإيواء مجموعة منهم بمساعدة السلطات العمومية والمحسنين وبعض الممرضات... وذلك انخراطا في الجهود الرامية للمساعدة في الحد من تفشي وباء كورونا والقضاء عليه.
إن تفكيرنا اليوم يتجه إلى كل العاملين بالمنظومة الصحية كيفما كانت درجاتهم، فهم يعيشون اليوم في العديد من المدن والمناطق وضعيات استثنائية عصيبة، يجب العمل على تأمين وتوفير وسائل الحماية حتى يضلوا في أماكن عملهم ويمارسوا مهامهم في ظروف معنوية ونفسية مريحة ويستمروا في محاربة الوباء الذي لا زال ينتشر بسرعة أكبر من السرعة التي نستعد بها للمواجهة.
ونحن في أيام الحجر الصحي وما له من تداعيات على علاقاتنا الأسرية والاجتماعية، علينا أخذ قليل من الوقت لأنفسنا ولغيرنا، فهذه المرحلة تتطلب التفكير الفردي الهادئ والتفكير الجماعي المتوازن، فكل فرد يمكن أن يراجع نفسه ويحضر برامجه المستقبلية، كما أن المجموعة كالعائلة أو الجمعية يمكنها ترتيب الأولويات والاتفاق على أجندة للإجراءات المقبلة، فمصلحة الجماعة لا يجب أن تتعارض مع حقوق الأفراد. لذا يجب توظيف الوقت الذي نختاره لأنفسنا للتواصل الفعال أو لنقاش فكرة أو لتحضير برنامج وذلك بهدف ترتيب الأوراق والاستعداد لما بعد الحجر.
ويجب أن يتوجه تفكيرنا بنسبة عالية لمواضيع بعيدة عن موضوع الجائحة وما يتبعها من معطيات ومعلومات قد تكون في أغلبها خاطئة وصادرة عن مواقع غير ذات مصداقية، فمن الناحية النفسية لا بد لنا من الابتعاد عن ذلك إلى القراءة والفنون والكتابة والأعمال المنزلية وغيرها من الأنشطة الترفيهية التربوية والثقافية المنظمة عن بعد من طرف أطر مختصة ولها دراية بالموضوع.
إن التواصل المستمر عن بعد يمكن أن يخفف من التباعد الاجتماعي، فنحن متعودون على السلام والتحية المبالغ فيها والتجمعات في المقاهي والدروب وغيرها من الفضاءات، وقد أعجبت بفكرة الإذاعة المحلية التي أطلقتها حركة الطفولة الشعبية من مدينة بن جرير في اتجاه الأطفال والشباب والعموم للتوعية والترفيه والتثقيف والتواصل خلال ساعات محددة من اليوم وببرامج متنوعة، وهي إذاعة تقرب بين الأطفال من خلال الأنشطة عن بعد وبين الشباب والأطر من خلال سهرات فنية وتثقيفية عن بعد، وكلها برامج شيقة ومريحة.
وفي هذه المرحلة علينا أن نتعلم - وكم دافعت عن هذه الفكرة في الماضي- أن تنظيم أنشطة لمجموعات صغيرة من 8 إلى 10 أفراد هي الناجعة والمنتجة وهي المستعدة للتكوين واستيعاب المعرفة وهي الممكن التواصل معها بطريقة تفاعلية لأنها تكون منضبطة ودائما على استعداد لتلقي المعلومة وتحليلها ومناقشتها فالاجتماعات وحصص التكوين لا يجب أن تتعدى عشرة أفراد حتى تكون المشاركة تفاعلية وإيجابية.
والتساؤل المطروح اليوم هو كيف سيكون وضع مجتمعنا بعد زوال الوباء فالخوف أصبح أمرا طبيعيا يحتم تدخلا للتحليل النفسي عن قرب، لأنه مرتبط بضعف الإنسان وإيمانه الراسخ بهذا الضعف الذي يجعله في الكثير من الحالات عاجزا عن المواجهة ومفكرا في أن المسافة بينه وبين الموت قابلة لأن تطوى بسرعة البرق.
كما أن عهد الحريات وحقوق الإنسان التي ناضل من أجلها المجتمع سيعاد النظر في منظومتها مستقبلا فأي خطر في جزء من المجتمع سيصيب بقية الأجزاء، فحالة الطوارئ والحجر عطلت كثيرا من الحقوق، وسيكون على المجتمع ترتيب الأولويات فيما يتعلق بمنظومة الحقوق والحريات هل الكرامة أم الحياة أم العيش أم التطبيب والتعليم؟ كما أن عاداتنا الاجتماعية في الحفاظ على العلاقات والتحيات المتبادلة ستنقلب رأسا على عقب ولن تعود إلى ما هي عليه اليوم أو ما كانت عليه بالأمس القريب، وسيكون علينا تحقيق مسافة من التباعد الاجتماعي للاستمرار في التواصل والتعايش في أمن وأمان.
وتحية عالية لكل المساهمين في عمليات التضامن والتحسيس والتوعية وزرع بدور الأمل لدى المواطنين الذين هم في الحاجة الماسة لذلك، وشكرا لكل من يؤطر برنامجا تربويا أو تثقيفيا وحصصا تعليمية ومعرفية وحلقات تنشيطية وترفيهية وللإعلام الذي يتابع كل ذلك، ومرحبا بغد جديد.