رضوان العلمي: قوانين الطوارئ في زمن كورونا.. بين المشروعية وضرورة حفظ الأمن الصحي

رضوان العلمي: قوانين الطوارئ في زمن كورونا.. بين المشروعية وضرورة حفظ الأمن الصحي رضوان العلمي

منذ تفشي فيروس كورونا المستجد كوفيد 19 بدولة الصين، وانتقاله لدول أخرى بآسيا وأوروبا في ظرف زمني قياسي، استشعرت دول أخرى خطورة الأمر، وشرعت في تبني إجراءات احترازيه في محاولة استباقية لوقف زحف هذا الفيروس نحو بلدانها، ومع اتساع رقعة انتشاره حول العالم، وتزايد عدد الاصابات المؤكدة والضحايا في الأرواح في دول عديدة، اعتبرته منظمة الصحة العالمية جائحة عالمية. فاقتنعت معظم دول العالم بعد ذلك بضرورة تطبيق حالة الطوارئ لأسباب صحية، رغم أن إجراءاتها تشكل في مجملها تعطيلا لمجموعة من الحقوق والحريات المكفولة دستوريا.

 

وفي أغلب الأنظمة التي لا تتوفر على مقتضيات قانونية خاصة بحالة الطوارئ، عملت السلطات التشريعية بها على وضع آلتها التشريعية مؤقتا بيد السلطات التنفيذية، قصد وضع إجراءات وتبني تدابير وقرارات صارمة لمواجهة هذا الوباء الذي يهدد أمن وصحة المواطنين.

 

ولأن المغرب بدوره لم يسلم من قبضة هذا الفيروس المجهري السادي، فقد اضطر لفرض حالة الطوارئ الصحية بمقتضى مراسيم قوانين.

 

أولا: مشروعية أحكام وإجراءات حالة الطوارئ

تجنب معظم فقهاء القانون الدستوري تعريف حالة الطوارئ، واكتفوا فقط بتبيان الغرض أو الهدف من إعلانها.. وهذا الغرض يتمثل في تقوية السلطة التنفيذية بمنحها سلطات تشريعية وحتى قضائية أحيانا، في إطار نظام قانوني استثنائي.

 

ومن المعلوم، أن حالة الطوارئ لا تعلن إلا لأسباب محددة وواضحة تنطوي على مواجهة خطر محدق، لكي يكون ذلك مبررا لهجر تلك القواعد العادية واللجوء إلى قواعد استثنائية تخالف المألوف. وإن كانت هذه الظروف تشكل تعطيلا لبعض الحريات كالتنقل والتجوال والتجمع والسفر، إلا أن ذلك ليس خروجا عن المشروعية؛ لأن مبدأ الظروف الاستثنائية هو الذي يعطي لهذا الخروج مشروعيته في إطار ما أسماه الفقه بـ "مشروعية الأزمات".

 

وبالنسبة للمغرب، فإن السلطة التنفيذية فرضت حالة الطوارئ الصحية بسائر التراب الوطني، ووضعت أحكامها بمقتضى المرسومين 2.20.293 و2.20.292 الصادرين بتاريخ 23 مارس 2020، والتي تم تمديد العمل بهما  بمقتضى المرسوم رقم 2.20.330، مستمدة شرعيتها في كل ذلك من الفصول 81 و90 و92 من الدستور. ومبررة الحاجة إليها بضرورات الحق في السلامة الشخصية للأفراد ومسؤولية السلطات العمومية عن سلامة السكان وسلامة الأمن الترابي، المؤكد عليها في الفصلين 21 و24 من الدستور. وهكذا مأسست السلطة التنفيذية تدخلاتها عن طريق وضع الآليات القانونية لجعل تدخلاتها متسمة هي الأخرى بالشرعية.

 

ثانيا: قوانين وإجراءات الطوارئ حول العالم لمواجهة كورونا

مع تفشي وباء كورونا بمعظم دول العالم، تجندت السلطات المختلفة بها لسن وفرض إجراءات وقوانين بغية تحصين ترابها وحماية مواطنيها من هذه الجائحة العابرة للحدود .

 

ففي مصر، لجأت السلطات إلى القانون رقم 137 والذي وضعته السلطة التشريعية سنة 1958 لمواجهة الأمراض الوبائية، والمعدل بموجب القانون رقم 55 لسنة 1979. ويخول هذا القانون لمأموري التنفيذ العزل، الجبري للمرضى والمخالطين لهم وتفتيش المنازل بالاستعانة برجال الشرطة، كما ينص على عقوبات حبسية وغرامات في حق المخالفين.

وبالأردن، أعلنت الحكومة منذ الأيام الأولى لظهور الفيروس فوق أراضيها، عن تفعيل "قانون الدفاع" الذي يفعّل فقط في حالات الطوارئ، وذلك  للحد من انتشار فيروس كورونا. ويمنح هذا القانون رئيس الوزراء سلطات واسعة تفضي لتقييد عدد كبير من الحقوق الأساسية للمواطنين؛ حيث تم تعطيل القطاعين العام والخاص باستثناء الخدمات الصحية، وانتشر الجيش في مداخل ومخارج المدن، ودعت المواطنين إلى عدم الخروج من المنازل إلا للضرورة القصوى، ومنعت  كل أشكال التجمع، وجعلت التنقل بين المحافظات شبه مستحيل.

 

وبموجب اللوائح الجديدة التي تم استصدارها في انجلترا طبقا لتشريع الصحة العامة، تم منح سلطات إضافية للإخصائيين الطبيين بما يسمح لهم باحتجاز الأفراد المصابين أو المشتبه بإصابتهم بالفيروس .

 

وتعتمد ألمانيا على قانون حماية العدوى لسنة 2001، والذي يفرض قيودا مشددة على حرية الأفراد وحقوقهم. وقانون الطوارئ يتيح للسلطات الألمانية حظر التجوال ونشر الجيش داخليا وحتى سرية المراسلات. وفي ولاية بافاريا الألمانية وبعد إعلانها عن حظر التجوال أعلنت عن تغريم المخالفين بمبالغ قد تصل ل 2500 يورو.

 

أما الصين، التي ينتقد الكثير سلطوية نظامها وممارساتها غير الديمقراطية، فقد فرضت منذ ظهور هذا الفيروس المزيد من التضييق على الحريات الفردية، وضاعفت سلطاتها من عمليات المراقبة والتجسس الإلكترونيين على السكان، ولجأت إلى استعمال القوة لاحتجاز الأشخاص في المناطق الموبوءة مما جعل مدنا كاملة "مدن أشباح" بعد فرض الحصار التام عليها .

 

ثالثا: الحاجة لقوانين وإجراءات جديدة لمحاصرة وباء كورونا بالمغرب

مكنت الإجراءات الاحترازية الاستباقية السيادية التي اتخذتها السلطات المغربية، كإقفال جميع الحدود البرية والجوية البحرية في وجه حركة نقل المسافرين، إضافة إلى مختلف اجراءات وتدابير حالة الطوارئ الصحية المنصوص عليها بمقتضى المادة 2 من المرسوم رقم 2.20.293 من إبطاء تفشي الوباء والتسطيح النسبي لمنحنى تطوره. رغم أنها تبقى غير كافية إن كان الغرض هو القضاء على الفيروس واجتثاثه من جميع مستنقعاته .

 

الآن، هناك فرصة ثمينة مرة أخرى أمامنا لتجنيب بلدنا الأسوأ، وفرض مزيد من الإجراءات والتدابير والعقوبات الزجرية الصارمة  لمحاربة ما استجد من سلوكات تقوض كل الجهود المبذولة للقضاء على هذا الوباء، والتي تنم بالأساس عن أزمة وعي وأخلاق أبان عنها البعض؛ كعدم الالتزام بتدابير الحجر الصحي، ورمي الكمامات المستعملة بالشارع العام، والنقل والتنقل السريين للمسافرين بين المدن، ومخالفة أوامر العزل الصحي الموجهة للمصابين ومخالطيهم والمشكوك في إصابتهم...

 

خلاصة

إن كانت حالة الطوارئ -خاصة في زمن الأوبئة- تشكل ظاهريا تعطيلا لبعض الحقوق الأساسية للأفراد، إلا أن ذلك يعتبر تعطيلا  مرغوبا ومشروعا؛ لأن غرضه الأسمى هو حفظ النفس البشرية التي رعتها وحصنتها الشرائع السماوية قبل الوضعية .

 

والأكيد أن إطلاق يد السلطات لحفظ الأنفس لا يمنحها توقيعا على بياض لتبني ممارسات سلطوية غير ديمقراطية. وبالمقابل، فلا يمكن لأي مواطن واع إلا أن يزكي تدخلات السلطات لتبني عقوبات زجرية مشددة، والضرب بيد من حديد لردع المخالفين للقانون والمستهترين بحياة الأفراد وأمنهم الصحي.

 

- رضوان العلمي، باحث في سلك الدكتوراه شعبة القانون