لاشك أن بلادنا لا ولن تتخلى عن المغاربة العالقين بالخارج، لأنه ببساطة لا تمييز بين المواطنات والمواطنين، بسبب وضعهم الشخصي، مهما كان، لذلك أعطيت التوجيهات لقنصليات وسفارات المملكة بالخارج من أجل العمل على تقديم المساعدة إلى جميع الأشخاص الموجودين في وضعية صعبة، العالقين، بغض النظر عن أسباب تواجدهم بالخارج، سواء سياحة، تطبيب، دراسة، عمل أو غير ذلك.
لكن هذه الفئة، التي تقدر بـ 18.226 مواطنة ومواطن مغربي، أملها الوحيد عودتها إلى أرض الوطن في أقرب وقت ممكن، لكن لسوء حظها فهي مغلوبة على أمرها، فحتى تدخل القنصليات والسفارات لم ينفع، بل هناك من يؤكد أنه لا وجود لأي تدخل يذكر، وحتى إن وجد فلم يخفف عليهم معاناتهم اليومية وخوفهم من شبح الإصابة بالفيروس في بلد الاستقبال، بسبب أوضاعهم الاجتماعية المأسوية، وظروفهم الصحية والمالية المتأزمة، معلنين أن مسألة التكفل الصحي والنفسي، وتوفير مصاريف الإقامة والإطعام والإجراءات المرتبطة بها من استشارة قانونية وغيرها، مجرد شعارات، فالمبيت في الشوارع والساحات العمومية هو سيد الموفق، والتضييق على عمل المنظمات غير الحكومية التي تقدم لهم الطعام والأفرشة زاد الأمر تعقيدا، ليبقى الملجأ الوحيد هو تدخل أبناء الجالية المغربية المقيمة هناك، والتي أبانت عن تضامنها وتآزرها مع العالقين بالخارج، في تلاحم مغربي مغربي، فوق تراب بلدان المهجر.
نعم، كانت التدابير والإجراءات الاحترازية المتخذة في وقتها، دفعا للخطر المحتمل الذي كان وما يزال يهدد البلاد، وتفاديا وقوع جائحة وبائية محلية، ودون سابق إنذار، حيث تقرر تعليق جميع الرحلات الجوية والبحرية وإغلاق الحدود، ابتداء من يوم الأحد 15 مارس 2020، أي يومين فقط بعد تسجيل أول حالة إصابة محلية بفيروس كورونا - كوفيد 19، ومنذ تلك اللحظة والمغاربة العالقون خارج أرض الوطن، وكذا الموجودون مؤقتا في مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، يتابعون عن كثب، الخطوات التي تقبل عليها الحكومة، في انتظار إعلان الأمل، والعودة إلى أرض الوطن.
اختلف العالقون بين الانتقادات للسياسة المتبعة وغياب القطاع الحكومي المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج، وبين المناشدات بإيجاد حل عاجل، لكن الكل متفق أن الاختلالات التي تعرفها المنظومة الصحية ببلادنا، وسيادة التخوف من عدم القدرة على استيعاب العدد المتزايد من المصابين، سبب رئيسي ومشروع لتعليق السفر من وإلى أرض الوطن، وأن المصلحة العليا للبلاد فوق كل اعتبار.
لكن المؤسف، أن يقتصر الجواب الرسمي للحكومة، على وجود طاقم يشتغل على دراسة التدابير والحلول الممكنة لإنهاء أزمة المغاربة العالقين بالخارج، دون التطرق إلى نسبة تقدم أشغال هذا الطاقم، والحلول المقترحة من طرفه حتى يتم التداول بشأنها، وطمأنة العالقين بالخارج بموعد إعلان الأمل والعودة إلى أرض الوطن، وفق ما شهده اجتماع لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين بالخارج بمجلس النواب، المنعقد من أجل دراسة موضوع المغاربة العالقين بالعديد من البلدان بسبب انتشار وباء كوفيد 19.
لقد آن الأوان، ولو قبل استقرار الوضعية المتعلقة بحالات الإصابات الجديدة، وتجاوز الأزمة الحرجة التي تمر منها البلاد، واعتبارا لاكتساب تجربة التعامل مع فيروس كورنا ـ كوفيد 19 من طرف الأطر العاملة في مجال الأمن الصحي، والاستقرار الجزئي لمنحى الوضعية الوبائية خارج البؤر العائلية والمهنية، أن تتخذ خطوة جريئة للإفراج على المغاربة العالقين بالخارج، عبر تدخل الدولة من أجل العمل على عودتهم إلى أرض الوطن، مع السير في نفس النهج المعتمد أثناء عودة طلبة ووهان، دون أن تندرج عملية عودتهم في كسر التعليق الرسمي للرحلات الجوية والبحرية وإغلاق الحدود، خاصة أن هناك دولا أقبلت عليها وهي أقل حماية من بلادنا.
عديدة هي الأفكار التي يمكن ترجمتها إلى الواقع، فعلى سبيل المثال، بلادنا تتوفر على حوالي ألف داخلية، والتي تأوي في المتوسط حوالي 160 نزيلا، وإذا عملنا على فتح المجال للمغاربة العالقين بالخارج بالعودة إلى أرض الوطن، وإخضاعهم للحجر الصحي في هذه المؤسسات، مع استحضار منطق التباعد الاجتماعي، سنكون أمام 18 فردا في كل داخلية، أو بصيغة أخرى، أن نتجه نحو اعتماد مختلف المؤسسات الاجتماعية من داخليات ودور الطالبة والطالبة ومراكز الاصطياف والتخييم ومراكز التداريب وغيرها على صعيد 1503 جماعة، وسنكون آنذاك أمام شخصين أو ثلاثة فقط في كل مركز، فهذا التوجه يغنينا عن تجهيز المئات من الفنادق، أما الأطقم الطبية والعناصر الأمنية، فيمكن لهذه الفئة العالقة التي تضمن أطرا من مختلف التخصصات، أن تتطوع داخل الحجر للقيام بهذه المهام، إلى حين الاطمئنان على وضعهم الصحي، مع استحضار عدد الراغبين حاليا في العودة والذي لا يعني جميع العالقين.
طبعا، وفي سياق الأمن الصحي دائما، فهذا لا يعني عودتهم دفعة واحدة، بل عبر أفواج وبتحديد الأولويات، إما اجتماعيا أو تبعا لمؤشر الصحة ببلد الاستقبال أو هما معا، علما أن ما ينفق عليهم من الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا "كوفيد ـ19" وهم خارج أرض الوطن، أقوى من المصاريف التي يمكن أن تنفق عليهم محليا، بعد إخضاعهم للحجر الصحي، سيما أن العديد منهم أعلن عن الإنفاق على نفسه من ماله الخاص، وتبقى عملية إجراء الفحوصات الطبية مسألة تدريجية، وكلما أتيحت الفرصة لذلك.
إنها أزمة إبداع وابتكار الحلول في حكومة تدبيرية، حكومة اختلفت حتى في رقم عدد المغاربة العالقين بالخارج بين 18.226 و7000، ولم تعد تتقن فن الإحصاء.
ولنجعل من عودة المغاربة العالقين بالخارج لحظة وطنية بامتياز، وليصبح هذا القرار غير صعب كما يصفه البعض، فالاستقرار في الوطن، وخدمته والعيش فيه، لا يقدر بثمن.
ولنطو خيبة الأمل، ولنفتح نافذتها، بإعلان تاريخ محدد للعودة إلى أرض الوطن.