أحمد الناهي : محنة الشاوية مع أوبئة التيفوس والطاعون في القرن الماضي

أحمد الناهي : محنة الشاوية مع أوبئة التيفوس والطاعون في القرن الماضي أحمد الناهي
صدر كتاب نادر من ترجمة عبد الرحيم حزل، يعتبر من أهم ما ألفه المستشرقون والرحالة الأجانب حول المغرب.
ويتعلق الأمر بمذكرات الصحافي الفرنسي كريستيان هويل بعنوان "مغامراتي المغربية"، الذي حل بالمغرب سنة 1907، في ركاب القوات الفرنسية الغازية للشاوية والدار البيضاء وتزامنا مع فترة الحجر الصحي التي يعيشها المغرب اليوم بسبب جائحة كورونا.
أعد أحمد الناهي، محافظ المكتبة الجماعية بني خلوق، إقليم سطات، لـ"أنفاس بريس" الورقة التالية، يعرض من خلالها ما سجله كريستيان هويل في مغامراته حول جائحة التيفوس التي كانت قد اجتاحت الشاوية والمغرب عموما في القرن الماضي سنوات 1913 1914:
 
عرف سكان الشاوية سنتي 1913 و1914 كما باقي سكان فاس وسلا وتمارة وبرشيد والرباط و المغرب الشرقي جائحة التيفوس والتي أودت بحياة الآلاف من السكان، وقد عايش الصحفي الفرنسي كريستيان هويل هذا الحدث المأساوي ليحدثنا عنه في كتابه : "مغامراتي المغربية"، حيث ذكر، في القسم الخامس من كتابه المعنون بـ: "وباء التيفوس وثورة الدار البيضاء":
كان خروجنا فجرا من ساحة فرنسا وسارت في إثرنا عربتان اثنتان يقودهما ممرضان من الأهالي فواحدة لتحميل الموتى والأخرى لنقل الأحياء.
وما أن ولجنا طريق مديونة حتى وقعنا على جسد هامد لا يأتي حراكا لشخص مستلق على قارعة الطريق كان ميتا ،فأمسكناه من رأسه ورجليه وحملناه إلى العربة، وعلى الأرضية تخلفت منه بقعة مبللة لم أدر أي شيء تكون، وعلى مبعدة من ذلك الموضع كنا نرى أجسادا أخرى تنهض من على الأرض منقبضة الوجوه جاحظة الأعين بفرط الحمى ؛و تواصل ذلك الحصاد المرعب فكانت المحصلة : دزينة من المصابين بالتيفوس وستة من الموتى.
ثم توقف موكبنا عند نهاية طريق مديونة الممتد الطويل ففي هذا الموضع كان يوجد فندق فصيروه إلى محجر صحي، وهنالك أنزلنا من كان معنا من المرضى الأحياء، ثم ما كدت ألج الفندق المذكور حتى تراجعت الى الوراء من هول ما رأيت، فقد كانت تزكم المكان روائح كريهة لفرط ما كان يملؤه من البول والبراز .
وكان بالفناء ثلاثون من الأهالي بالتمام والكمال يضطجعون بأسمائهم الرثة على حصائر قذرة ، فكان أن نهض بعضهم يطلبون شربة ماء فيما قعد الآخرون وهم يزفرون مترنحين يرددون في إنشاد حزين اسم الله.
لم يكن بأيدينا علاج سوى "الكينين" لضيق ذات اليد وقد امتنع ثلاثة أرباع المرضى عن تناوله وذلك أنهم لا يثقون فيما نقدم لهم من أدوية .
فجعلنا والممرضين نتخطى الأجساد المنبطحة لنسحب من بينها الموتى؛ وما أن امتلأت العربة الأولى لم نجد بدا من تحميلهم على العربة الأخرى المخصصة للأحياء(انتهى كلام كريستيان هويل ).
هذا وقد خلفت جائحة التيفوس ما يربو عن ثلاثة ألاف قتيل بالدار البيضاء لوحدها من مغاربة وأوربيين، وقد عانت الدار البيضاء قبل ذلك من القمل ووباء الطاعون الذي حمله الفيلق السينغالي، كما سيعود سنة 1921 وباء التيفوس مرة أخرى ليفتك بالعديد بهذه المدينة
وقد ارتبطت هذه الأوبئة دائما بتوالي سنوات الجفاف ولعل أبرز مثال على ذلك مجاعة عام البون سنة 1944 والتي صاحبها انتشار واسع لوباء التيفوس بكافة قبائل الشاوية وخلف الآلاف من الضحايا.