لم يعد هناك بقعة من العالم بمنآى عن فيروس كورونا الفتاك.ولم يعد التحكم في ميزان القوى حكرا على الدول العظمى كأمريكا.
وإذا كان التحكم في ميزان القوى والنفوذ يعد بمثابة الفضيلة العظمى التي تكرس لها الدول الكبرى كل قدراتها وإمكاناتها العلمية على حساب فضائل أخرى أكثر أهمية مثل صحة وسلامة الإنسان.فهل ستكون جائحة كورونا المستجد عاملا حاسما في تغيير العقلية كما فعلت من قبل ثورة كوبرنيك(مركزية الشمس).
لقد نشطت في زمن كورونا دعوات إلى التضامن والتآخي والتكافل الاجتماعي للتخفيف من تداعيات الوباء والأزمة الاقتصادية على الأسر الفقيرة المحتاجة..ومثل هذه المبادرات الحميدة من شأنها أن تساهم في التغلب على الوباء.
فإشاعة أجواء التضامن والتكافل تخفف من الأعباء وتفتح أبواب الرحمة الإلهية. ففي كثير من الأحيان، يمكن للإنسان ان يحول المحنة الى منحة إنسانية.
وفي مثل هذه الظروف العصيبة علينا ان نستعيد الكثير من القيم النبيلة وعلى رأسها التضامن الاجتماعي كصندوق جائحة كورونا المستجد الذي أحدثه ملك البلاد وساهم فيه عديد من المواطنين بالقليل والكثير كذلك المؤسسات الإنتاجية.
اليوم وفي ظل تفشي فيروس كورونا الفتاك والخبيث،نحن في حاجة إلى تأمل وتدبر وتفكير وتبصر بعيدا عن الثرثرة والكلام الطويل الممل الذي يبعث على القنوط واليأس والتشاؤم والإحباط والتوقف عن نقل الإشاعات والأكاذيب والأخبار غير الموثوقة والتي من شأنها إحباط الناس.
ولعل أفضل طريقة لمواجهة الشائعات غير الموثوقة هو عدم تصديقها وعدم الإصغاء إليها والاكتفاء بالمصادر الرسمية المسؤولة فقط .
ولمواجهة جائحة كورونا المستجد ،نحن بحاجة الى الصراحة والوضوح والشجاعة. فالكل معرض للإصابة والمرض دون تمييز بين غني وفقير، صغير وكبير، سليم ومريض،جار وحبيب.
لهذا، وتجنبا للإصابة، ليس أفضل من الحجر المنزلي والابتعاد عن التجمعات ووقف الزيارات والمصافحات...ولنضع الكمامات في هذه الأيام المتبقية ونتجنب الإشتراك في لمس الأشياء.
إن فيروس كورونا المستجد مثل تغير المناخ يحاول أن يخبرنا شيئا ورسالته هي أن بقاءنا كبشر علينا أن نعتمد على بعضنا البعض.
بعد كورونا سيتغير العالم.مثلا في التعليم، التعليم عن بعد قدم خدمات للتلاميذ عن بعد وجعلهم في تواصل مع أساتذتهم .
اجتماع الرؤساء سيكون هو الآخر عن بعد،انخفاض حدة التلوث وتراجعه خاصة بأكبر عواصم أوربا،إحياء العادات الأسرية التي تراجعت كثيرا بسبب انشغال الأسرة مثل التجمع ح ل مائدة الطعام ومناقشة قضايا الساعة.
لقد اجتاح فيروس كورونا أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان وهي الصين واقوي دولة علما وتكنولوجيا وهي أمريكا ..والمثير للانتباه هوان الصين التي ينعتها البعض بقوة صاعدة ،عرضت مساعدتها على أمريكا التي تكبر رئيسها ترامب إلا أنه بعد ذلك أعلن عن حالة الطوارئ وألزم الجيش على فرض حظر التجول.
إن أزمة كورونا تداعياتها ستفرض على حكومتنا إعطاء الأولوية للاستثمار في الرأسمال البشري بجوانبه المختلفة من صحةوتعليم وتشغيل وحماية اجتماعية...كلها مكونات تمثل العنصر المرجح في إي معادلة تنموية ومستدامة لتحقيق نهضة حقيقية.
نتمنى أن تعيدنا أزمة كورونا إلى إنسانيتنا التي افتقدناها وتبعدنا عن الذاتية.
إن وباء كورونا المستجد حسم الأمر وسيرسم لا محالة خريطة جديدة للعالم وينهي صفحة تفوق وهيمنة أمريكا على العالم.
ما تناولناه عن تداعيات كورونا ما هو إلا غيض من فيض .فعلى المختصين في علم الاجتماع والاقتصاد وعلم النفس...أن يدرسوا هذه التجربة الإنسانية التاريخية والأخطر من الأزمة الاقتصادية التي انطلقت من بورصة وول ستريت في 1924ومست كل العالم الرأسمالي..عسى فيها ما يوصلنا إلى استنتاج حول ما يجب أن نفعله من اجل تحويل العالم إلى أسرة متماسكة متضامنة ومتكافلة.
خليل البخاري، أستاذ التاريخ والجغرافية