سيدي الوزير،
نحن نعرف الحالة التي تمر منها البلاد ونعي وندرك ما يجتاح البلاد من وباء، نقدر رباطة جأشكم وحرصكم الفذ على استمرارية التعليم.
لسنا من لفيف المارقين أو من شرذمة الخوارج ولسنا ممن ينفخون البالون بالهواء ويثقبونه، لسنا قوم يُسَفِّهُون أحلام المصلحين، ولا من الذين يأتون بلغوِ الحديث وزندقة القول لِيُظِّلوا به عن سبيل الرشاد.
لكننا نرى من زاويتنا أنكم قد يكون مَثَلُكم كَمَثَل رجل أساء من حيث أراد أن يحسن، أو كمثل إمام قاضِ قد يظلم من حيث أراد أن يعدل.
التعليم عن بعد بغض النظر عن عَدِّه وعتاده، فهو زي فُصِّل وخُيِّط على مقاس فئة معينة من التلاميذ، أما فئات اخرى وهي السواد الأعظم من المتعلمين نرى أنهم في واد والتعليم عن بعد في واد.
سيدي الوزير، قد تكونون أحسنتم حين فكَّرتم في التلميذ ودروسه، وفعلا من المتعلمين من أمكن له متابعة دروسه من منزله المرتبط بالإنترنت اللامحدود، حيث كان بإمكانه أن يتابع حصصه صباحا من حاسوبه أو لوحته الجميلة، وبعد تناول وجبته المحترِمة لكل أشكال التوازن الغذائي من لحم طيرٍ إلى فاكهة مما يشتهي، وطردًا للملل والرتابة قد يتابع حصته الزوالية من هاتفه الذكي، وهو على أريكته قرب مسبح أو حديقة منزل أسرته الفسيح الذي يقضي فيه وأسرته حجراً صحياً من فئة خمس نجوم، فهنا سيدي الوزير أصَبْتم بل هذا كبد الصواب ولبه.
لكن اعلموا أن هناك من التلاميذ فئات من لا يتوفرون على حاسوب ولا هاتف، بل تَيَقَّنو أن من الأسر المغربية من لهم أبناء يدرسون في مدارسكم، فحال العوز والفقر وقلة ذات اليد القصيرة بينهم وبين الدروس عن بعد، فلتعلموا كذلك أن فئات من المتعلمين هم مغاربة أيضا، لم يصل مداشرهم حتى الربط بالكهرباء. فأين هم من شبكة الإنترنت، وليكن في علم معاليكم نبأ أسرِ زاد الحجر الصحي طينهم بلة، فمنهم من لم يجد من السكر قطعة ومن الشاي قليله ليخالط به قش رغيف يسد ترياقه رمق جوع وحاجة. فكيف لبيت أو شبه بيت أو حوش وكوخ لم يصله حتى الكهرباء أن يكون ضمن أثاثه تلفاز أو في ركنه لوحة ذكية، أما الهاتف الذكي لو وجدوه لكان أَوْلى لهم إرسال رقم بطاقة العوز الصحية إلى لجنة اليقظة الاقتصادية، وانتظار دراهم تقيهم مؤقتا مصائب جائحة تَزَمَّلت بمصائب حالهم البائس.
سيدي الوزير، في المقابل هل أحسنتم أم عكس ذلك؟ هل أقمتم الوزن بالقسط أم غير ذلك؟.. فأهل مكة أدرى بشعابها..
إننا نرى في هذا التعليم عن بعد، وإن كان قَرَّبَ التعليم من المتعلم لذى فئة من التلاميذ المُدَثَّرين بأحضان ودفء أسر ميسورة، فعكس ذلك لدى فئات أخرى لا ذنب لهم سوى أن الفقر وذات اليد القصيرة والفاقة حجبت عليهم ذلك، لم يتبقى لهم سوى أن يضربوا كفا بكف، بل إننا نخاف أن يصبحوا أبعد عن التعليم. وهذا هو التفيئ طبقا للبيداغوجيا الفارقية لكن بمفهومها السلبي، وهنا أصبح باب الشك مفتوحاً على مصراعيه حول مسألة تكافؤ الفرص بين المتعلمين وإن كانت مسألة من أولويات كل المرتكزات الوزارية وتغنت بها الرؤية الاستراتيجية للتعليم بل كانت المساواة في التعليم من صلب مرتكزات القانون الإطار للتعليم.
سيدي الوزير، إننا قد نزيل فعل المضارع الذي يلي قد، ونؤكد لكم بحرف التحقيق المتبوع بفعل الماضي، أن التعليم عن بعد قد أصبح بعد عن التعليم.
- عبد الله أطويل، أستاذ مادة علوم الحياة والأرض