سعيد بعزيز: كورونا.. مـهن في الواجهة

سعيد بعزيز: كورونا.. مـهن في الواجهة سعيد بعزيز
عامل النظافة، مقدم، شيخ، خضار، جزار، خباز، بقال، تاجر، فلاح، مستخدم، ممرض، سائق مهني، مخزني، حارس السجن، عسكري، إطفائي، دركي، شرطي، خلفية قائد، قائد، إعلامي، أستاذ، صيدلي، طبيب... هي مهن في الواجهة، رفع لها المجتمع قبعة التقدير والاحترام. 
مهن تنضاف إليها صفات التطوع والانتداب، لتكون فريقا متكاملا، يواجه أعباء اللحظة بشرف لا يعادله شرف، لأنه يساهم في ضمان حق الحياة للآخر.
مهن أصبحت مصدر فخر واعتزاز لدى جميع أفراد المجتمع، بل للبشرية جمعاء في مختلف أنحاء العالم، لأنهم في واجهة المخاطر الحادقة بهم وبأسرهم، جراء تفشي جائحة فيروس كورونا ـ كوفيد 19.
مهن، يهجر القائمون بها منازلهم لمدد طويلة، استجابة لنداء الوطن، وحماية للمصلحة الصحية العليا للبلاد، حتى يحققوا الأمن والاستقرار والطمأنينة للمواطنات والمواطنين.
مهن رسمية، أو مؤقتة أو حرة، أو صفات ترتبط بالعمل التطوعي، اختار العديد من أصحابها، القيام بالحجر الصحي الطوعي، لما تتاح لهم فرصة ولوج منازلهم، حتى لا يختلطوا بأفراد أسرهم، تجاوزا نظرة كسب الرزق بالحلال الطيب، والعمل مقابل الأجر، إلى التفاني والاشتغال غير مبالين ولا آبهين بحرارة أو برودة الطقس من جهة، ولا بالإرهاق والتعب من جهة ثانية، ولا بخطورة الفيروس المعدي خلسة وبكل سهولة من جهة ثالثة، إنه حب الوطن، والارتباط الوثيق به، لذلك وشحهم المجتمع بأوسمة المواطنة. 
مهن أكدت صمودها واستمراريتها والحاجة إليها، في وقت يتحدث فيه الجميع عن اندثار مهن تقليدية، وظهور مهن أخرى في زمن التطور العلمي والتكنولوجي، زمن التكنولوجيات الحديثة وترحيل الخدمات، حتى صار الفرد لا يعلم بالمهن التي ستظهر في المستقبل القريب.
مهن حافظت وستظل تحافظ على الأمن والاستقرار في مفهومه الشامل، أي الأمن الصحي والبيئي والغذائي والعسكري والسياسي...، من أجل بعث الطمأنينة في نفوس المواطنات والمواطنين، والعمل على تدبير الشأن العام استجابة لنداء الوطن.
 فمن الحفاظ على البيئة والوقاية من العلاج، وتقديم خدمات متنوعة، إلى تمكين الأفراد من شواهد التنقل الاستثنائية، إلى توفير الوسائل الضرورية للمعيشة اليومية، والأمن، ونقل الخبر الصحيح وفق قواعد وأخلاقيات مهنة الصحافة، وضمان استمرارية التعلم عن بعد، باعتبار المشرفين عليها منبعا للعلم والمعرفة، حتى أصبح بعض المشرفين عن تقديم الدروس عبر مجموعات للتواصل الاجتماعي أفرادا من أسر التلميذات والتلاميذ، إلى التدخل الاستعجالي للقيام بالإنقاذ والإسعاف وإطفاء الحرائق، حيث الوقوف في الخط الأمامي لكل المخاطر، من حوادث وكوارث وغيرهما، من أجل إنقاذ ونقل الضحايا إلى أقسام المستعجلات، إلى تقديم الإسعافات والعلاج الأنسب للمريض، وتوفير الأدوية.
هي مهن، اعترف لها الجميع بالجميل، وتحتاج إلى الإنصاف أكثر من أي وقت مضى.
ومن هذا المنطلق، سيصبح من الواجب بعد تجاوز الظرفية الحرجة الراهنة، والخروج من زمن جائحة فيروس كورونا ـ كوفيد 19، أن تراجع منظومة الإدارة المغربية، بهدف إقرار تصور شامل لإصلاحها وتطوير وسائل اشتغالها، والحد من التفاوت الصارخ على مستوى الأجور، عبر اتخاذ إجراءات عملية لإقرار منظومة جديدة للأجور، محفزة وعادلة ومنصفة وشفافة، تمكن عمال النظافة (قطاع الإنعاش الوطني، واليد العاملة المؤقتة)، وأعوان السلطة (مقدمين وشيوخ)، من هوية مهنية واضحة، تنطلق من الإدماج في الوظيفة العمومية.
وتبقى العدالة الأجرية مدخلا حقيقيا لتطوير الإدارة، وإعمال مبدأ الإنصاف، وهو ما أكدته تدخلاتهم في مواجهة تفشي جائحة فيروس كورونا ـ كوفيد 19، سيما أن المتواجدين في واجهة المخاطر، هم شريحة معظمها ينتمي إلى الفئات الأجرية الهشة، والتي تحتاج بدورها إلى الكرامة والعدالة الاجتماعية والحد من الفوارق الطبقية، والعيش الكريم والعادل والمنصف. كما أن القطاع غير المهيكل، في حاجة إلى تدخل حقيقي من أجل حماية العاملين به وتمكينهم من الحماية الاجتماعية.
فكسب المعركة ضد تفشي فيروس كرونا ـ كوفيد 19، هو رهان الجميع، ومساهمة هذه الفئات، جعلها تتلقى تنويها وإشادة شعبية واسعة، عبر وسائط التواصل الاجتماعي، من خلال كتابات وملصقات وغيرها، وهذا التنويه والإشادة الواسعة يحتاجان إلى ترجمة حقيقية من طرف الحكومة مباشرة بعد الخروج من الأزمة الراهنة. 
إنه مغرب التضامن والتآزر، فلنعمل على ضمان العدالة الأجرية والهوية المهنية للجميع.