حميد البطري: التعليم عن بعد في زمن الكورونا، "نجاح أو فشل"

حميد البطري: التعليم عن بعد في زمن الكورونا، "نجاح أو فشل" حميد البطري

في ظل الأوضاع التي بات يعيشها العالم اليوم بسبب انتشار جائحة الكورونا، التي أرغمت ملايين الطلبة والتلاميذ على الانقطاع عن تلقي دروسهم بالمدارس والجامعات، فلم يكن هناك بديل أمام المملكة المغربية، إلا أن علقت بدورها كل الأنشطة الداخلية بمختلف مجالاتها، وكان من بين هذه الأنشطة، إغلاق الجامعات والمدارس والمعاهد العليا ومراكز التكوين، فاتجهت البلاد كغيرها من الدول إلى تفعيل نظام "التعليم عن بعد"، والذي يعد نوعا مستجدا من أنواع التعليم بالنسبة لكل من المعلمين والطلبة على حد سواء.

فما هي الإجراءات التي تبنتها البلاد لتعويض الطلبة والتلاميذ عن توقف الدراسة في هذه الظرفية الراهنة؟ وكيف تم التخطيط لتفعيل نظام "التعليم عن بعد"؟ وهل "التعليم عن بعد" سيحقق لنا النتائج التي يحققها التعليم الصفي؟

جاء ظهور مصطلح التعليم عن بعد مع مطلع القرن التاسع عشر، واصطلح عليه حين ذاك بـ "التعليم بالمراسلة"، وكانت جامعة شيغاغو هي أول جامعة سبقت لاعتماد التعليم بالمراسلة على مستوى العالم سنة 1892. وقبلها بـ 36 سنة بألمانيا أي في سنة 1856، كان الفرنسي "شارل توسان"، قد اعتمد نظام التعلم عن بعد "التعلم بالمراسلة" في تدريس اللغة الفرنسية ببرلين، وهي الخطوة الأولى في هذا النوع من التعليم بالعالم آنذاك. ويجب أن نشير أيضا إلى أن الكثير من الناس، يعتقد أن التعلم عن بعد مرتبط بتقنية الحاسوب، وهذا فهم خاطئ لأن التعلم كما ذكرنا، بدأ بالتعلم عبر المراسلة، ثم جاءت المرحلة الثانية وهي التعلم عن بعد بواسطة البث الإذاعي، ثم مرحلة استخدام الوسائط المتعددة، وأخرها التعلم عن بعد المعتمد على الإنترنيت والتقنية الحاسوبية.

ففي ظل تفشي جائحة الكورونا بالعالم، تسابقت العديد من الدول إلى الحد من تحركات موطنيها، وفي أولهم الطلبة والتلاميذ وأساتذتهم، وأصدرت المملكة المغربية باسم حكومتها بلاغا، تنهي فيه وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، إلى تجميد كل الأنشطة التعليمية بالمدارس والجامعات والكليات، والمدارس العليا ومعاهد اللغات وغيرها، كتدبير احترازي للحد من تحركات الطلبة والتلاميذ وحرصا على سلامتهم، فأعطت هذه الأخيرة أمرها بإطلاق عملية "التعليم عن بعد" عبر البوابة الإلكترونية TelmidTice، وكذلك عبر القناة الثقافية، اللتان خصصتا لهذا الغرض، فالأولى توفر دروس مصورة ومكتوبة، والثانية خصصت لبث برامج تعليمية لمختلف المستويات الإشهادية.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا النوع من التعليم المستجد بالمغرب في هذه الظرفية وبالنسبة لعدة فئات، سواء أساتذة أو طلاب أو تلاميذ، يجعلنا نطرح عدة تساؤلات: هل سيعوض التعليم عن بعد التعيلم والتعلم الصفي؟ وكيف تعاملت فئات المجتمع مع هذا التغيير في هذه الظرفية الطارئة؟ وكيف عمل الأساتذة على تطبيق هذا النظام المستجد على المنظومة التربوية بالبلاد؟.

إن التعليم عن بعد في مفهومه العام بعيد كل البعد عن التعليم وجها لوجه، إذ يعد هذا الأخير أكثر تنظيماً ويقدم بطريقة أوضح مقارنة مع نظام "التعليم عن بعد". ولم يسبق للمغرب تجريب هذا النظام التعليمي من قبل، ويطرح هذا القرار إشكالا كبيرا في الوضعية الراهنة، إذ يصعب على جل الأسر تحقيق ذلك، نظرا لغياب الإمكانيات لتوفير الحواسيب والألواح الذكية والانترنيت، فليس كل الأسر بإمكانها توفير ذلك ويصعب الجزم في الأمر.

بكل موضوعية، إن المنظومة التربوية بالمغرب لم تكن مستعدة لهذا الطارئ، وقد رأينا أنها خصصت أسبوعا كاملا منذ 16 مارس لتجربة نمط "التعليم عن بعد"، فشرعت معه المديريات الإقليمية بعملية تسجيل أشرطة "فيديو" لأساتذة يقومون بشرح الدروس والمواد الإشهادية بالخصوص. أما على مستوى الجامعات والكليات، فقد أطلقت جلها مواقع إلكترونية يشارك عبرها الأساتذة الطلاب ملخصات الدروس والمواد، في حين ذهبت كلية علوم التربية بالرباط عبر قناتها "الجامعة المغربية"، وهي أول قناة جامعية بالمغرب وإفريقيا متخصصة في الشؤون الجامعية، إلى تقديم محاضرات مصورة موجهة لطلبتها تبثها على مَوْقِعِها وصفحة "الفايسبوك"، كما عملت الكلية أيضا على إطلاق أول مبادرة تحسيسية تحت اسم "خلية الدعم النفسي عن بعد"، والتي تهدف إلى تقديم الدعم النفسي، لكل فئات المجتمع المغربي لمواجهة الضغط النفسي الذي سببه فيروس كورونا، وذلك وفق برنامج يمتد طيلة الأسبوع.

في ظل هذا الظرف الطارئ على البلاد، والنقص الذي تعاني منه المنظومة التربوية على مستوى العُدَّة الإلكترونية من المواقع والبرمجيات التعليمية، التي وجب تخصيصها لهذا الغرض، بالإضافة إلى غياب التكوين النظري والتطبيقي للأساتذة والمعلمين في التعليم عن بعد. نجد هناك من ذهب إلى الاعتقاد بأن "التعليم عن بعد"، هو الاقتصار على تسجيل شريط مصور (فيديو) وعرضه على المتعلمين، أو اتصال مباشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو الاكتفاء بالدردشة في مجموعات أنشأت لهذا الغرض. وهناك فئة ثانية نحت نحوا مغايرا، كالاعتماد على المنصات التي تتيح إمكانية إنشاء صف افتراضي، أو ما يصطلح عليه بالتعليم المتزامن، وعبره يمكن للمعلم رؤية المتعلمين وكذلك رؤية المتعلمين لبعضهم البعض، محاولين بذلك تعويض الصف الحقيقي بصف يماثله عن بعد، إلا أنه ما زال لم يعوضه مئة بالمئة.

ففي كلا الحالات يعتقد المعلم/الأستاذ، على أنه أدى مهمته على أحسن وجه، وقد حقق المبتغى والكفاية والهدف المرجو من "التعليم عن بعد" عبر هذه الوسائل، فالتعليم عن بعد في عموميته يظل ناقصا من حيث التفاعل، الذي يطبع العملية التعليمية التعلمية والتي ولا تنجح إلا به. فما إن بدأ الاشتغال بهذا النمط، حتى بدأت تصلنا مقاطع مصورة من هنا وهناك والكل يغني على هواه، فلا أحد اتبع الطرق المنهجية المخصصة لهذا النوع من التعليم. فكيف برأيه سيحقق ذلك الهدف؟ في غياب التفاعل الصفي التام والأساسي بين الأستاذ والمتعلم، وكذلك عملية التقييم والتقويم، والتي تمكن المعلم من معرفة هل جل المتعلمين اكتسبوا ما قدم لهم أم لا؟ والكل يعرف المتعلمين فئات منهم المتفوقين، وغير المتفوقين. هذا بالإضافة إلى التنوع والاختلاف في التخصصات والمجالات التعليمية، الذي يقف حائلا بين المدرس والمتعلمين في بعض منها، كمراكز التكوين المهني مثلا، التي تعتمد على ما هو تطبيقي عملي أكثر مما هو نظري.

إن هذا النوع من التعليم تبقى نسبة نجاحه من عدمها غير واضحة، في ظل المستجدات الحالية، أما على مستوى الجامعات فلا ضرر في ذلك، لأن نوع التعليم بالجامعة مبني بالأساس على البحث الذاتي، والطالب لا يبقى مقتصرا على الأستاذ المحاضر، مقارنة مع مدارس التعليم الأساسي ومراكز التكوين...، فإذا كانت المنظومة التربوية بكل كياناتها ستبقى رهينة النجاح أو الفشل، فهل ستنجح الأسر على مساعدة أبنائها في المذاكرة والتعلم البيتي؟ فطيلة فترة الحجر الصحي لن يتمكنوا من رؤية سوى أولياء أمورهم، مع العلم أن هؤلاء المتعلمين بكل أصنافهم، لم يعتادوا على المكوث بالبيت فترة طويلة يوميا، فما بالك طيلة الأسبوع أو شهر إن طال الأمر.

وهنا وجب إعادة النظر في المجتمع ككل، في الوقت الذي انخفضت فيه نسب متابعة الآباء لأبنائهم، لأنهم لم يعتادوا على مساعدة أبنائهم في المراجعة والتعليم البيتي، في إشارة واضحة إلى أن القرار الذي جاءت به الوزارة تخاطب فيه أولياء الأمور أيضا، بهدف مساعدة أبنائهم حتى لا تقع على عاتقها مسؤولية نجاح أو فشل هذا المتعلم في ظل الوضعية التي نمر بها.

وعليه، نقر بأن التعليم عن بعد لن يحقق لنا في الظرفية الراهنة النتائج التي كان يحققها التعليم الصفي، وتبقى نسبة نجاحه ضئيلة. بالإضافة إلى عدم موثوقيته في رأي المجتمع المغربي، لأن الكثيرين لا يرونه فعالا بالنسبة لهم، وهذا ما أسفرت عنه آراء بعض العائلات، التي أكدت عدم مسايرة أبنائها للتعليم عن بعد، باعتباره نمط مستجد عليهم، وكذلك لعدم توفر أبناء البعض منهم على الأجهزة والإنترنيت، لمتابعة هذه الأنشطة التعليمية من البيت، إما لأنها تنحدر من المداشر والقرى والبوادي، أو نظرا لحالة الأسر الاجتماعية التي تمثلها الشريحة الأكبر بالمجتمع.