منعم وحتي: غريغور سامسا حقوقيا..

منعم وحتي: غريغور سامسا حقوقيا.. منعم وحتي

يُحْكَى والعهدة على الراوي، أن أعرابيا استفاق يوما من أيام عام الرمادة، وبدأ يطوف في مدارات قبيلته، بأعلى صوته أنه اصبح حبة قمح، وقد حار معه أهل القبيلة لثنيه على ذلك بالعودة عن غيه، لكنه استمر في نفس متخيل حبة القمح، وعندما لم يجدوا حيلة لذلك، لجأوا لحكيم المضارب، وبعد أخذ ورد، حاول فيه شيخ القبيلة إقناعه بأن لديه عيونا ووجها وقدرة على الكلام والمشي، أجابه الأعرابي وسط ذهول الجميع، سيدي الحكيم، أنا أعي جيدا أنني إنسان مكتمل الآدمية، لكن مشكلتي في من سيقنع الطيور (الجاوش كما يقول المغاربة) أنني لست حبة قمح..

 

لا جدال في أن حقوق الإنسان، منظومة كونية، تعكس درجات رقي البشرية في احترام بعضها البعض، رغم توجيه بروتوكولاتها انتقائيا، ولي عنق نصوصها أحيانا، حسب الظرف والمصلحة من طرف المنتظم الدولي، وبعض "آكلي طرف ديال الخبز"، إلا أن الأكيد أن التعاطي يتغير في الآليات وليس في المبادئ، تجنبا لأحكام التعميم، وذلك فقط في حالات الأخطار الداهمة والأوبئة والنوائب الخطيرة، ويتم تعليق بعض الحقوق، ليس نفيا لمبادئ الحرية، بل لظروف الاستثناء التي تتطلب ترتيب أولويات الحياة للمجموعات الكبيرة قبل الأفراد، حين تعذر آليات رقابتها..

 

لمزيد من التوضيح لبعض من يدعي "ملائكية" الدفاع عن حقوق الإنسان، فالحق في التنقل تم تعليقه في العالم بمساندة كل حقوقيي العالم، وهو حق أساسي من بنود الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، وفي هاته اللحظات الحالية بإيطاليا يرفع فيها حتى الحق في الحياة بإعمال مبدأ المخايرة  (Arbitrage)في الموت، بنزع أجهزة التنفس الاصطناعي عن بعض العجائز، والحكم عليهم بالموت الحتمي، ووضع ذات أجهزة التنفس لمرضى أكثر شبابا، إنه تعطيل للحق في الحياة عن سبق إصرار وبكل وعي، فلا نحتاج لمزايدات بعض أصحاب الزائدة الدودية المفرطة بالتنصب كملائكة وناطقين رسميين بحقوق الإنسان، وبأنهم أصحاب مشروعية تبطيق الناس بين الحقوقي وغيره، إنه دفاع عن أوهام لا مجال لتطبيقها في اللحظة، ليس رغبة بل تعذرا والوضع مأساوي..

 

هي آليات للاستثناء تعطل بعض البنود مرحليا، لكن دفاعا على مبدأ حماية البشرية وحقها في الحياة من زوال محتمل، ليس بمنطق غوبلز كما يدعي البعض تجنيا، بل صونا للحق في الحياة بمنطق الأم تيريزا..

 

عودة للربط الشائن الذي استل فيه البعض سيوفهم السامة، لربط نصي المتخيل حول موضوع "لو أعطينا الحكم في المغرب لمدعي حقوقي بزائدته دودية.."، بحادث الصفع، لن أسمح لبعض المزايدين بتقمص دور البطولة والتصيد في الماء العكر، لم يقطر بي السقف البارحة لتمثل قيم حقوق الإنسان، لأزكي الاعتداء على أي كان ولو حتى على ظله، لكن فلننتبه، إلى تعذر كل آليات الرقابة والتحقق والتثبت، والاستعصاء سيكون افظع في قادم الأيام، إن العقوبات السجنية امام اكتظاظ السجون، والمحاكم المعطلة، وتوقف الإدارات، وتعطل الحركية في الشوارع وغياب السيولة لأداء الغرامات، سيضع الحقوقي "الحقيقي" والأمني والقاضي والمتهم في حيص بيص، ليس لتبرير الصفع ولكن هي حالة  استثنائية جدا لن يفكها إلا المتخيل أيها النبهاء جدا جدا جدا.

 

ملحوظة: يمكن أن يستفيق غريغور سامسا في أية ليلة مرة أخرى، بمتخيله لتنبيه العالم أننا داخلون لمآسي درامية حقيقية، فلنراهن على الجزء المملوء من الكأس، ونرفع بالمناسبة القبعة لأطر الصحة والأمن في هاته اللحظات العصيبة...

 

شخصيا، أنبه للمنزلقات بشكل بسيط لكنني أركز على الاتجاه العام لتقوية بنية الدولة وقوى المجتمع في الخطوات المستقبلية لربح معركة مواجهة الوباء.

 

وإذا عدتم عدنا..