عبد الرحيم العطري: صوت العقل والحكمة يسقط تجارة صكوك الغفران

عبد الرحيم العطري: صوت العقل والحكمة يسقط تجارة صكوك الغفران عبد الرحيم العطري

لا نسمع ضجيجهم بالمرة الغائبون عن تدبير المحنة، من أمثال نجوم التفاهة والتضبيع، و أباطرة الرقية الشرعية وفك السحر والعين والحسد ومعالجة كل الأمراض، وأباطرة الكلام باسم السماء من آل التيارات الإيديو-تدينية، ومحترفو السياسوية والشعبوية والهمزوية.

 

خذوا العبرة من هؤلاء الصامدون في الخطوط الأمامية

كلهم غابوا عن الأنظار، صمد فقط (مع وجوب ووجود تاء التأنيث طبعا) الطبيب والممرض والأستاذ والموظف والعامل ومول الحانوت والشرطي والدركي ورجل القوات المساعدة، وعمال النظافة.... بقي هؤلاء الذين تم استهدافهم قبلا بحرب رمزية ومادية فائقة العنف...هؤلاء البسطاء الأنقياء هم الذين لا يتغيبون عندما تشتد الأزمات، أما الآخرون من صناع التفاهة فلا نسمع لهم ركزا.

 

جهلة يتاجرون بالدين ويعتبرون كورونا عقاب إلهي

أصروا على الصلاة جماعة قبالة المسجد المغلق، ولما انتهوا، صبوا جام غضبهم على الدولة، واعتبروا أن كورونا هو مجرد عقاب إلهي، بل هو إشارة لحلول زمن الاستبدال (استبدال الأقوام)، بعدها عادوا إلى عرباتهم المجرورة، لمواصلة بيع الخضروات والفواكه، وبأثمنة منهكة للجيوب، لم ينتهوا من القسم بأغلظ الأيمان، بأن ثمن البصل في سوق الجملة تجاوز 15 درهما وهم مجرد "مسخرين" يبيعونه بـ 16 درهما لا غير.

 

احتجاجات مبطنة بتديين جائحة كورونا

إنهم يحتجون على إغلاق المسجد، ويمعنون في "تديين" الجائحة، وفي الآن ذاته لا ينتهون من مص دماء بني جلدتهم، فأي "نمط تديني" هذا الذي ينتج فائق التناقض بين الخطاب والممارسة؟ أي نمط تديني هذا الذي ينتصر فيه الطقوسي على الجوهري، وتصير فيه اللحية، وعود الأرك والكحل واللباس الأفغاني، أهم من المعاملة بالحسنى والامتناع عن احتكار السلع ورفع الأسعار ساعة اشتداد الأزمات؟ آن الأوان أن نفكر في بناء الإنسان.

 

صوت العقل والحكمة يسقط تجارة صكوك الغفران

ليس من الضروري أن يكون الجواب دوما لدى داعية التقنية (التكنوقراط)، أو السياسي أو داعية النمط التديني، الجواب يكون في غالب الأحايين لدى العالم المستنير بصوت العقل والحكمة، فمتى يفهم أباطرة السجل الإيديو-تديني، أن سوق الخلاص قد تفككت أصلا، وأن صكوك الغفران لن تجدي نفعا في مواجهة الجائحة، وألا حل أمامنا كمغاربة إلا تغليب صوت العقل والاستثمار في العلم والتقنية، فالخطر، كل الخطر، هو محاولة تديين الجائحة أو تسييسها، والأمل كل الأمل أن نفهم ونتفهم الوضع قبل فوات الأوان.

 

عبد الرحيم العطري، باحث سوسيولوجي