في سياق الانخراط في الحرب الطاحنة لمكافحة جائحة "فيروس كورونا" بالمغرب خاصة والوطن العربي والإسلامي عامة، لاحظ المراقبون والمتتبعون أن وباء كورونا قد كشف عن جبهتين متنافرتين، وأفرز اتجاهين أو مسارين لا يلتقيان كالخطان المتوازيان رياضيا.
مساران يختلفان في الخطابات والرسائل والأسلحة المستعملة، سواء في التعبير عن المواقف، أو الدعوة للانضباط لتوجيهات وقرارات الدولة وأجهزتها ومؤسساتها...كما كشفت جائحة كورونا على مستوى أداء الواجب والمطالبة بالحقوق وتصريف القوانين بالنسبة للاتجاهين.
اتجاه عقلاني وحداثي وديمقراطي وحقوقي يعي خطورة المرحلة الحرجة، يدعو بالنقاش الرزين والمقنع وبالكلمة الطيبة إلى ترك الخلافات السياسية والإيديولوجية جانبيا، وينتصر إلى العقل والعلم والطب الحديث، ويستعمل خطاب الأمل في الحياة والتسامح، ونبذ العنف والتطرف، وتقوية الجبهة الداخلية، بالانصياع لقرارات الدولة وعقلها الأمني والاجتماعي والاقتصادي والصحي...هذا الاتجاه رغم اختلافه إيديولوجيا مع الدولة فقد عبد لها الطريق بكل الوسائل المتاحة لتقوم بأدوارها ومهامها الدستورية الموكولة لها وتصريف قراراتها العقلانية المحسوبة بمعيار "الوطن أولا".
أما الاتجاه الثاني الذي ابتلى به الوطن، فقد امتطى صهوة أزمة جائحة "كورونا" للقيام بهجمة شرسة وقوية مستغلا الخطاب الديني المبطن بالرسائل السياسوية لنفث سمومه، وإشاعة تخلفه بين الناس معتمدا على قاعدة النسب المرتفعة في الأمية والجهل بين أفراد الشعب المغربي الذي مرغوا كرامته في الوحل.
إنه اتجاه مقنع بأقنعة التدين و لبوس زي الإسلام السياسي، وجه مدفعيته وصواريخه عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي بعد ظهور أول حالة إصابة بالفيروس، ضد القرار الحكيم المتعلق بإغلاق المساجد، للحد من انتشار الوباء بين صفوف المصلين، حيث جيش هذا الاتجاه ذبابه الإليكتروني المتعفن لنشر خطاب التكفير والردة، والتباكي بدموع التماسيح وكأن الصلاة في المساجد ستلقح عموم الشعب ضد "كورونا" التي فتكت بالمئات المواطنين والمواطنات بأقوى دول العالم.
هذا الاتجاه البئيس تربى بين أحضان شيوخ الحركات الإسلامية بكل فصائلها التي تقتات من الريع باختلاف تمظهراته، و التي كانت سببا في تخلف المجتمعات العربية والإسلامية عامة والمغرب خاصة... اتجاه يستغل مرحلة الهلع والخوف من أزمة المرض الفيروسي الذي ينتشر بسرعة، لبت الرعب في النفوس، وتقويض كل مجهودات الدولة والمؤسسات الوطنية...إنه اتجاه خفافيش الظلام الذي يسعى جاهدا لاستغلال الفرصة وتمرير رسائله عبر واجهة التأطير الديني المبطن بما هو سياسي.
إن الاتجاه المؤمن بالديمقراطية وخطاب العقل والحداثة والعلم استعمل كل وسائله المشروعة لطمأنة الشعب الطيب، وتحسيسه بخطورة المرحلة وواجب التضامن والتكافل، وساهم بنصيب أوفر في صندوق مكافحة كورونا، واقتطع من أرصدته ورواتبه ومستحقاته لضخ الأمل في المستقبل... بل ترك الشارع والعمل والأسواق والمساجد واختار أن يسجن نفسه اختياريا في جو عائلي مفعم بالأمل والفرح، واقتسام لقمة العيش مع المحتاجين وممارسة طقوس التعبد والتواصل بشكل راق، حتى تمر عاصفة الوباء.. رافعا قبعته وشارة النصر وراية الوطن من أعلى شرفات ونوافذ البيوت والمنازل لاستقبال القوات الملسحة والسطات العمومية وأفراد الوقاية المدنية والقوات المساعدة وعناصر الأمن الوطني والأطباء والممرضين وعمال النظافة والصحافيين الملقحين بلقاح الوطنية.
أما المسار الثاني الناقل لوباء طاعون التدين والإسلام السياسي، فقد اختار القصف العشوائي في كل الاتجاهات، ولم ينجو منه حتى حلفاء و أصدقاء الأمس من رصاصه الطائش الممزوج برذاذ الحقد والكراهية، ولم ترضيه قرارات حكماء الدولة وأجهزتها المرابطة عند خطوط التماس مع أزمة "كورونا"..
اتجاه أبان عن لهطته، وجشعه للمتاجرة في الأزمات بخطاب التدين، وضاقت نفسه من تسونامي التبرعات المادية والمساهمات الضخمة في صندوق مكافحة الجائحة الموقع باسم قيم المواطنة، ويحاول يائسا فرملة انطلاق مسيرة التضامن والتفاعل مع توجيهات الدولة حيث يشعر تجار الدين والسياسة بخيبة حساباتهم (اللي حسب كايشيط ليه).
هذا المسار والاتجاه المتأسلم القادم من الشرق، اكتشف متأخرا أن أساسات وأعمدة "علمائه المتنطعين" خريجي الحركات الإسلامية ومدارس التدين، مهترئة وهشة، ولن تستطيع أن تقف في وجه العلم والحداثة والديمقراطية وخطاب العقلانية... لأن الشعب المغربي أجاب بسلوكه الوطني عن سؤال الواقع الملموس: "بماذا أفادونا شيوخ التطرف والتعصب، وشيوخ العلوم الشرعية؟ وهل هم قادرون على اكتشاف لقاح الفيروسات والأمراض الفتاكة؟ وبماذا نفعتنا علومهم المتخلفة التي تقتات من خزعبلات زمن مضى ؟
لقد شرع شعب المغرب العريق في كنس تجار الدين والمآسي والأزمات بمعقمات فيروس كورونا وأقنعة الطب الواقية من رذاذهم المتطاير من ألسنتهم الملتهبة بنار "أبا لهب ما أغنى عنه ماله وما كسب" فعلا زميلي السي توفيق " لقد جاءكم كورونا بالخبر اليقين ..شكون الفيروس الحقيقي دابة ؟؟".
يقول عز وجل في كتابه الحكيم : " يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ " صدق الله العظيم.