زوهري: الأمن المائي، مصدرُ الأمن الاجتماعي والاستقرار الاقتصادي والسياسي

زوهري: الأمن المائي، مصدرُ الأمن الاجتماعي والاستقرار الاقتصادي والسياسي عبد الجليل زوهري

ينذر شح الأمطار هذه السنة بموسم فلاحي صعب لا تخفى تأثيراته السلبية الكبيرة على الفلاحين، والصغار منهم خاصة، وعلى المستوى الوطني بصفة عامة. وهو وضع  يقتضي من الحكومة اتخاد تدابير استعجالية لمواجهة تداعيات الجفاف التي باتت ظاهرة تكاد تكون مزمنة بالمغرب. لمناقشة هذا الموضوع، أجرت "أنفاس بريس" حوارا مع عبد الجليل زوهري، أستاذ باحث بكلية العلوم التقنياتFST  بسطات.

 

+ بسبب شح الأمطار هده السنة، ما هي في نظرك وضعية المخزون المائي ببلادنا حاليا؟

- حتى يتسنى لي الجواب عن السؤال والإدلاء بنظري في وضعية المخزون المائي ببلادنا حاليا، يجب أن نتوفر على أرقام محينة وجد دقيقة؛ لكن هناك مؤشرات وواقع معاش من خلالهما يمكننا أن نجزم بأن المخزون المائي في وضعية حرجة.

ولتأكيد هذا الحرج نورد بعض الأرقام التي تبين أن حصة كل فرد الماء قد انتقلت حسب منظمة اليونسكو خلال الفترات 1960، 1990 و2000 من 2500 متر مكعب إلى 1200 إلى 950 متر مكعب في السنة، وقد وصلت إلى 650 متر مكعب خلال سنة 2010/2011.. وهذا الرقم قارب عتبة أزمة المياه المقدرة بـ 500 متر مكعب لكل شخص في السنة. وهذا راجع لسنوات الجفاف المتتالية الناتجة عن التغيرات المناخية وعن الاستغلال المفرط للموارد المائية في جميع المجالات منها الفلاحية، المنزلية، الصناعية، السياحية وغيرها.

بالنسبة لهذه السنة، ولحد حديثي معكم، فقد يمكننا تصنيفها في خانة السنوات التي عرفت شحا في الأمطار خلال العقود الاخيرة؛ وإذا اعتبرنا أن المخزون المائي الذي نتكلم عنه يهم بالأساس المياه السطحية والجوفية المتعارف عليها بالمياه التقليدية بما فيها المياه المخزنة بالسدود التي عرفت حقينتها انخفاضا ملحوظا، حسب المعطيات الرسمية الصادرة عن مختلف الأحواض الهيدرولوجية بالمغرب، فإنه يتضح جليا أن المخزون المائي يمر بأزمة حقيقية يجب اتخاذ تدابير معقلنة لتفاديها، وذلك بتجنيد كل الإمكانيات المتاحة لاستغلال المياه الغير التقليدية.

 

+ هل تشكل هده الندرة من الماء خطرا على المغرب وعلى اقتصاده؟

- كلمة ندرة في حد ذاتها، وفي جميع المجالات الحيوية، تشكل خطرا؛ فكيف بندرة الماء الذي هو مصدر الحياة، والأمن المائي هو مصدر الأمن الاجتماعي وركيزة الاستقرار الاقتصادي والسياسي. المغرب ووعيا منه بأهمية وخطورة الأمن المائي وما قد يترتب عنه من ازمات، فقد عين الملك المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في أوج الربيع العربي 2011، ومن بين المهام التي أوكلت إليه الشأن المائي عبر تقديم سياسات ناجعة تحافظ على الثروات المائية.

 

+ كيف في اعتقادك ستتعامل السلطة المركزية مع انخفاض المخزون المائي بالسدود، وما هي التدابير المستعجلة الواجب اتخاذها؟

- الموقع الجغرافي للمغرب يمنحه مكانة متميزة تجعله يتوفر على موارد مائية نسبيا مهمة.. فإن أخدنا بعين الاعتبار المياه التقليدية وغير التقليدية، وحسب الدراسات والتنبؤات (تقرير اليونسكو 2003)، فسنوات التسعينات تعتبر بداية ندرة المياه بالعالم العربي. والمغرب بتوجهاته الفلاحية والسياحية والصناعية وبتزايد التعداد السكاني، مطالب بإيجاد بديل لتعويض النقص الحاصل في المياه التقليدية نتيجة تأثير المناخ الجاف وشبه الجاف، ونتيجة الإفراط في الاستعمال والطلب المتزايد من لدن جميع القطاعات المستهلكة للماء.

بناء على هذه العوامل المناخية وعلى جميع الأنشطة البشرية المستهلكة للماء، سيجد المغرب نفسه مضطرا لإيجاد سياسة مائية بديلة من خلال إطلاق برامج وطنية متنوعة لإعادة توزيع الثروات المائية، وهدا التوزيع يجب أن يكون بحكامة جيدة ليشمل جميع مناطق البلاد ويضمن من خلالها المواطن المغربي التزويد بالماء الكافي، ونعيش جميعا الأمن المائي.

أهم هذه البرامج التي يجب التركيز عليها:

* البرامج السقوية الاقل استهلاكا للماء كعملية الري بالتنقيط من اجل تنمية فلاحية مستدامة تكون مفتاحا لاستقرار والحد من الهجرة نحو المدن؛

* الحد من الاستغلال المفرط للمياه الجوفية التي تمثل ما مجموعه 20 في المائة من الموارد المائية، وكذا عدم استعمالها في زراعات فلاحية أو أنشطة اخرى دون اية قيمة مضافة؛

* تحلية مياه البحر الذي يعتبر كمصدر للمياه غير التقليدية، والذي قد يكون كبديل أساسي لضمان وفرة الماء الصالح للشرب لجميع المناطق الساحلية وغيرها من جهة، واستخدامها في بعض الصناعات المستهلكة للماء كالصناعات الفوسفاطية من جهة أخرى؛

* إعادة استخدام مياه الصرف الصحي بعد معالجتها، وقد وضع المغرب البرنامج الوطني للصرف الصحي الذي يرمي للاستفادة مما يزيد عن 300 مليون متر مكعب في أفق 2030. ومعالجة هذه المياه زيادة على استعمالها في المجالات الفلاحية والصناعية فهي حماية للفرشة من التلوث البيولوجي والكيمائي.

 

+ هل المخزون الحالي كاف لضمان ماء الشرب والسقي والأغراض الصناعية؟

- بكل اختصار المخزون الحالي غير كاف لسد حاجيات هذه القطاعات الثلاثة، وتبقى الأسبقية للماء الشروب في المدن الكبرى وبعض الصناعات والزراعات الأساسية.  لكن مازال الأمل كبيرا، ونحن في بداية شهر مارس الفلاحي، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه خلال هذه السنة، ولو بتوفير الماء الصالح للشرب والزيادة في حقينة السدود، في انتظار إكمال البرامج الوطنية لاستغلال المياه غير التقليدية، والتي نتمنى أن تنجز وتصبح قابلة للاستغلال في أقرب الآجال، وأن تعم فائدتها جميع جهات المملكة.