عمر بوسلات: فهم سلوك المغاربة في زمن كورونا

عمر بوسلات: فهم سلوك المغاربة في زمن كورونا عمر بوسلات

تعتبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الحديثة، مصدرا مهما من مصادر التوجيه وبناء السلوك الإنساني في أي مجتمع، حيث تمارس تأثيرا واسعا على الجماهير المتلقين للمعلومة باختلاف وتباين مستوياتهم الفكرية والاجتماعية، كما تعد مجالا للتعبير عن أفكارهم وآرائهم تجاه قضية من القضايا.

 

ونظرا لكون أغلب الناس اليوم ممن يستعملون هذه الوسائل يتفاعلون مع أي موضوع ويساهمون في نشر المعلومة بمجرد تأثيرها دون التأكد من صدقها وخطورتها، فإن الأمر يستدعي التدخل باعتبار أن هناك علاقة سببية بين التعاطي لوسائل الإعلام والسلوك البشري.

 

علاقة بهذا الأمر فإن ما يعرفه العالم اليوم والمغرب على وجه الخصوص، يكشف عن مجموعة من الظواهر الاجتماعية والثقافية للإنسان المغربي، ويمكن أن نسلط الضوء عليها في ظل ما يعرف بانتشار فيروس كورونا.

 

أولا حين أعلنت وزارة الصحة المغربية عن اكتشاف حالة مصابة بفيروس كورزنا، عبًر الكثير من المغاربة عن ترحابهم بهذا الوباء وكأنه ضيف طال انتظاره، ويقول أحدهم "مرحبا بك آ كورونا على سلامتك"؛ ويقول آخر هاد كورونا ماشي دوريجين حيث جاي من الشينوا... كل هذه الأقوال الساخرة تشير إلى نوع من الكوميديا السوداء، التي يعبر الانسان المغربي انطلاقا منها عن تردي الأوضاع، الشيء الذي جعل الكثيرين لا يصدقون أن مثل هكذا فيروس سينهي حياتهم، بل هناك كذلك من الذين لهم مستوى ثقافي لابأس به لم يصدقوا بوجود الفيروس وإنما هي مسرحية سياسية ورائها منافع لجهات معينة أو أنها حروب بيولوجية بين القوى العظمى... لكن حين يعبر المغربي بشكل كوميدي ساخر عن وباء أودى بحياة الكثيرين  عبر العالم، فإن ما نفهمه أنه لا يصدق  الأمر. كيف له بذلك رغم حقيقته وهو الذي عاش الويلات، كما أن سلوكاته في التحايا والعناق والتجمع متجذرة يصعب عليه التخلي عنها، مقابل ذلك تجد في المجتمعات الأخرى الالتزام الصارم بالتعاليم والخوف الشديد من الفيروس والمكوث في البيوت إلا للضرورة. كل هذا يجعلنا نتساءل هل مناعة المغاربة أكثر قوة من غيرهم؟ أم أن الإنسان المغربي لم يعد يتألم جراء ما عاناه من فقر وتهميش من مختلف المجالات (الصحة، الشغل، التعليم....).

 

أما من المنظور الثاني لسلوك الإنسان  المغربي  والذي  يبين لنا الوجه الحقيقي لبعض الكائنات البشرية والذين جعلوا همهم الوحيد هو التصدي للجوع أكثر من أي شيء آخر وبكل الوسائل، الأمر الذي يكشف عن سلوك طبيعي بلغة فلاسفة العقد الاجتماعي، أي حين تحكمهم غريزة الإنسان ذئب لأخيه الإنسان بتعبير توماس هوبز، يتضح ذلك بعد إعلان وسائل التواصل الاجتماعي عن ظاهرة اللهط واقتناء المواد الغذائية بشكل هستري خوفا من نفادها في السوق، بالرغم من تصريح المسؤولين بتوفير الحاجيات الكافية من هذه المواد لمدة طويلة. إن مثل هكذا يستوجب إعادة النظر في بناء السلوك الاستهلاكي للإنسان المغربي، ليس فقط في ظل الأوبئة والفيروسات، بل نفس المظهر نراه مع اقتراب شهر رمضان، حيث يجري الكثير من الناس لادخار المواد الغذائية وكأن العالم سيتوقف.

 

هذا السلوك يجعلنا نتساءل أي دور للإعلام في توجيه سلوك الانسان المغربي؟ وكيف يمكن إصلاح تمثلاتهم بخصوص هذا الشأن؟

 

- عمر بوسلات، باحث اجتماعي