سعيد الكحل: يتاجرون بالدين الوطن والإنسان وحتى بالحشيش

سعيد الكحل: يتاجرون بالدين الوطن والإنسان وحتى بالحشيش سعيد الكحل

لم يكن مفاجئا لمن يعرف تنظيمات الإسلام السياسي -إخوانيين وسلفيين، معتدلين ومتطرفين- أو يتتبع أخبارهم عبر الصحف الوطنية ومواقع التواصل الاجتماعي خبر حجز عشرة كيلوغرامات من الحشيش التي كان يخبئها قيادي في حركة التوحيد والإصلاح تحت جلبابه، ومن ثم اعتقاله. فهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها اعتقال عناصر تتحمل المسؤولية التنظيمية في حزب العدالة والتنمية وحركته الدعوية؛ إذ تكفي عملية بحث بسيطة في محرك غوغل لتمدنا بعشرات المقالات وقصاصات الأخبار حول تفشي تجارة المخدرات في صفوف الإسلاميين، سواء ينتمون إلى البيجيدي وذراعه الدعوية أو إلى جماعة العدل والإحسان، على امتداد التراب الوطني. فالمسألة ليست قاصرة على فلان، بل عناصر متعددة لم يدفعها وضعها الاجتماعي للاتجار في المخدرات لأنها لا تشكو الفقر والعوز ولا تعاني التهميش اعتبارا للمسؤولية التنظيمية التي تحتلها تلك العناصر في هيئاتها أو مسؤوليتها السياسية (أعداد من المتورطين في الاتجار بالمخدرات مسؤولون بالجماعات الترابية).

 

لا شك أن السلطة والمال يعميان بصيرة ضعاف النفوس وميّتي الضمائر؛ لكن في حالة الإسلاميين الأمر يختلف إذ لا يتعلق بميولات الشخص بقدر ما يتعلق بخلفيته الإيديولوجية والعقدية التي تجيز له "شرعا" ما يمنعه القانون وما يحرّمه على غيره. والمثال البارز هنا إشراف حركة طالبان على زراعة وتجارة المخدرات في أفغانستان واعتمادها عليها في التمويل بالسلاح والمقاتلين؛ وكذلك تفعل التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء حيث تنشط تجارة المخدرات والسلاح والبشر. لكن ما يهمنا في واقعنا المغربي هو الوقوف عند خطاب الطهرانية وادعاء الاستقامة الأخلاقية ونظافة الأيدي الذي يروجه الإسلاميون عن أنفسهم وأتباعهم ومدى مطابقته للممارسات التي يأتون، سواء كمسؤولين عن المال العام أو كأعضاء في تنظيماتهم الحزبية والدعوية. فلا تمر مناسبة إلا ويتبجح مسؤولو حزب العدالة والتنمية مثلا، بكونهم نزهاء يستحضرون الله في سرّهم وعلنهم ويخلصون له في العبادة وفي المعاملة ولا يأكلون إلا من المال الحلال. بل أدبياتهم السياسية والدعوية تميزهم عن بقية المواطنين في السلوك والمسؤوليات، بحيث تتجاوز مسؤولياتهم ما هو دنيوي ووطني وما يرتبط به من صدق في المعاملة وإخلاص في العمل والتزام بالعهود، إلى ما هو ديني/سماوي وما يرتبط به من دعوة وهداية وإرشاد وإصلاح للدين وتقوية للإيمان. لهذا تصفهم أدبياتهم بـ "الرساليين" الذين يواصلون المهام الدينية التي بُعث من أجلها الرسول الكريم. فرسالة النبي (ص) لم تنته بوفاته وإنما تستمر عبر اضطلاع "الرساليين" بها.

 

فلا غرابة إذن أن يصرح مسؤولو حزب العدالة والتنمية أن الله تعالى يزكي أعمالهم وينصر حزبهم ويضمن له البقاء والتفوق مثلما جاء في كلام حامي الدين، نائب رئيس المجلس الوطني للحزب، أثناء تأطيره لقاء تواصليا بآيت ملول يوم الأحد 01 مارس 2020، "إذا كنا متمسكين بحبل الله، فالنصر يأتي من عنده وليس بوسائلنا الخاصة، لأن الله سبحانه يرعى هذه التجربة ما دام فيها أناس مخلصون". هذا التصريح يزكي أعضاء حزب العدالة والتنمية عن بقية مناضلي الأحزاب المنافسة مهما كانت مرجعيتها، كما يجعل التجربة الحكومية للحزب مدعومة ومنصورة من الله وليس من فئة من الناخبين عبر التصويت للحزب أثناء الانتخابات. فلا فضل للناخبين في استمرار الحزب على رأس الحكومة، الأمر الذي يوحي بكون بقية التجارب الحكومية لم تكن منصورة من الله لكون أعضائها لم يكونوا "متمسكين بحبل الله". إذن ، نحن أمام صنفين من الأحزاب: حزب مؤيَّد بنصر من الله ما يجعله فوق إرادة الناخبين ويعطل الدستور الذي يفتح المجال أمام الأحزاب للتنافس على إقناع الناخبين ببرامجها الانتخابية، وبقية الأحزاب التي "يبغضها الله" فيتخلى عن نصرها وتمديد ولاياتها على رأس الحكومة. إنه الاتجار السافر بالدين الذي اعتاد عليه الإسلاميون عموما وأعضاء حزب العدالة والتنمية على وجه الخصوص. فقد سبق لزعيمهم بنكيران، حين كان رئيسا للحكومة، أن صرح بأن أعضاء حزبه "خدامين مع الله". بمعنى لا برنامج يقيد قراراتهم ويحدد اختياراتهم، بل كل ما تقتضيه "الخدمة مع الله" فهو برنامجهم. وأكيد من اعتاد الاتجار بالدين والكذب على الله لن يتردد في الاتجار بالوطن والإنسان والأعراض. لقد تاجروا بالوطن حين فتحوا حدوده الجمركية أمام الغزو التركي بكل أنواع البضائع التي أغرقت السوق الوطنية وأغلقت، في الآن نفسه، مؤسسات إنتاجية مغربية. لم تكن تهم البيجيديين مصلح الوطن ولا الشعب بقدر ما يهمهم الولاء الإيديولوجي لتركيا. وكشف انتصارهم للبضائع التركية ألا ولاء لهم لا للدين ولا للوطن. فالدين يجعل حب الوطن من الإيمان بينما هم جعلوه لإيديولوجية أردوغان. وكما تاجروا بالدين والوطن تاجروا بالإنسان كذلك؛ وما توسطهم في الزيجات العرفية للعناصر الإخوانية المشرقية، ودفاعهم عن المتورطين في الاغتصاب والاتجار بالبشر (نموذج بوعشرين) إلا دليل قاطع على ألا حرمة للمواطنين في عقيدة البيجيديين. ورغم أن القانون المغربي (مدونة الأسرة) يمنع ويجرم الزواج العرفي، فإن البيجيديين خرقوا القانون وتاجروا بالإناث.

 

إن من يسوّغ الاتجار بالدين والوطن والإنسان يهون عليه الاتجار بكل مواد التخدير.