عائشة وفيق.. أميرة «الخرّوب» بجرسيف

عائشة وفيق.. أميرة «الخرّوب» بجرسيف عبد الرحيم أريري

من منا يقوى على حرمان ابنه من مورد قار يساوي 600 دولار أمريكي كل شهر (أي حوالي 6000 درهم) يتقاضاه انطلاقا من بلوغه عشر سنوات.

 

الحلم ليس مستحيلا، إذ في المغرب العميق، وتحديدا بجماعة «راس لقصر» بدائرة تادرت بإقليم جرسيف، أبدعت جمعية «تيدرين للمرأة القروية» نموذجا مشرقا يحق للحكومة والبرلمان تبنّي التجربة لتعميمها على كافة التراب الوطني. إذ جرت العادة في أحيائنا وفي قرانا أن المرأة المغربية لما تضع مولودا تتوصل بهدايا تقليدية مألوفة من قبيل: اللباس أو أوان أو أغطية تخص المولود.

 

لكن في جرسيف اختارت عائشة وفيق، رئيسة جمعية «تيدرين»، الخروج عن المألوف وابتكرت شكلا جديدا من الهدايا لا تتبخر في بضع أيام أو أسابيع، بل حرصت على تحقيق حلم يزاوج بين تأمين مورد رزق للمولود ينعم به طول حياته من جهة، وبين حماية البيئة وتهذيب الفضاء العام بالخضرة من جهة ثانية.

 

التجربة التي نقلتها للقراء أسبوعية "الوطن الآن" في عددها الجديد، تتمحور حول اتفاق مجموعة من النسوة على شراء 100 شجرة خروب كهدية للمولود، وما أن يبلغ سن 10 أعوام حتى تكون للمولود (ولعائلته) 80 شجرة في أوج الإنتاج. وبالتالي تؤمن مدخولا شهريا يقارب 6000 درهما، أي ضعف «السّميكَ» المطبق في قانون الشغل.

 

تجربة عائشة وفيق تستحق الإشادة والتنويه لعدة اعتبارات:

 

أولا: امرأة عصامية وجمعية غير محظوظة بالدعم تنوب عن الحكومة والبرلمان وعن الأحزاب في رعاية مشروع رائد ومفيد للساكنة وللمحيط.

وهذا المشروع لو تبنّته الأحزاب لكانت مردوديته هائلة بحكم أن الأحزاب هي المخولة دستوريا بتعبئة الرأي العام حول قضايا عامة.

 

ثانيا: كل سنة ترصد الحكومة والجماعات الترابية الملايير من الدعم تخصص لجمعيات تدور في فلك هذا الحزب أو تلك الجهة دون أن يكون لهذه الاعتمادات عائد مادي ملموس على السكان وعلى المدن والقرى، اللهم من رحم ربك من الجمعيات، بدليل أن جمعية من المغرب الهامش استطاعت –برغم ندرة الدعم وشحه- أن تعيد الأمل للعشرات من النسوة بجرسيف.

 

ثالثا: لو تبنت الحكومة والجماعات الترابية وباقي الجمعيات مشروع جمعية «تيدرين» لتعميم التجربة بكافة مدننا وقرانا لأمكن لنا كمغرب وكمغاربة حصد الثمار. ففي كل سنة تلد أرحام المغربيات 350 ألف مولود. وبالتالي لو زرعنا كل سنة 350 ألف شجرة كهدية منا جميعا لهؤلاء المواليد، فسنحصل في السنة الواحدة على مساحة مشجرة تتراوح بين 350 و1750 هكتارا من الأشجار المثمرة، بالنظر إلى أن كثافة زرع الأشجار في كل هكتار (ESPACEMENT DES PLANTATIONS) يختلف حسب نوع الشجر. ففي التفاح أو الإجاص كل هكتار تزرع فيه 1000 شجرة تقريبا. والخروب أو الأفوكا يتطلب زرع ما بين 200 و330 شجرة في الهكتار الواحد (حسب حجم المياه والإضاءة وما شاكل ذلك من معطيات تقنية). في حين أن الزّيتون يتطلب ما بين 280 و300 شجرة في الهكتار الواحد حسب الصفوف (LES RANGEES)

 

هذا المشروع (بعد أن تنضج كل فسيلة) بإمكانه سدّ الخصاص في السوق المحلي من هذا المنتوج أو ذاك من جهة، وأيضا المساهمة في تحسين مدخول العديد من الأسر من جهة ثانية، فضلا عن تلطيف الجو وحماية التربة والبيئة بالمغرب من جهة ثالثة.

 

أما إذا تعلق الأمر بالغرس في المجال الحضري، فإن غرس أشجار الزينة في الهكتار الواحد ستجعلنا نربح كل سنة ألف شجرة في الهكتار، أي ما يمثل 350 هكتار من المساحات الخضراء كل عام (للمقارنة تصاميم التهيئة بالدار البيضاء لم ترصد سوى حوالي 700 هكتار خلال عشرة أعوام، لا ينجز منها سوى 10 في المائة بالكاد) أو ربح أشجار مصففة بالشوارع بطول 125 شجرة في الكيلومتر الواحد، أي ما مجموعه 2800 كلم من الشوارع المشجرة وهو ما يعادل المسافة الفاصلة بين طنجة والكركارات، مرورا بالداخلة.

 

سيدة بمثل هذه الحس الجمعوي وروح التضامن الإنساني ربما لو كانت في دولة مسؤولوها لديهم قليل من «الكبدة» على أبناء الوطن، قد يتبنّون مشروعها ويصنعون لها تمثالا من خشب "الخرّوب".