هاني المصري: المسلمون الإيغور ... أين الحقيقة؟

هاني المصري: المسلمون الإيغور ... أين الحقيقة؟ هاني المصري
يعيش معظم المسلمين الإيغور البالغ عددهم حوالي وفق المصادر الرسمية الصينية 13 مليونًا، في إقليم شينجيانغ شمال غرب الصين، الذي يتمتع بحكم ذاتي، ويشكل خُمس مساحة الصين، ويمتلك ثروات طبيعية كبيرة، كالفحم والغاز الطبيعي والنفط.
وما يجري فيها يتعرض لحملات إعلامية مركّزة، مصدرها الأساسي وسائل الإعلام الغربية، وخصوصًا الأمريكية التي تسيطر على وسائل الإعلام في العالم.
ومن أبرز ما تركز عليه الحملات الإعلامية أن السلطات الصينية تحتجز مليونًا من الإيغور تارة، ومليونين تارة أخرى، وملايين عدة تارة ثالثة في معسكرات جماعية، وأن هناك أعدادًا من الأطفال تحتجزهم الحكومة المحلية، إضافة إلى أن الإيغور المسلمين مضطهدون وممنوعون من ممارسة شعائرهم الدينية، وتهدم مساجدهم، ويمنعون من تجسيد حقوقهم القومية، وتجري عملية تذويبهم ودمجهم بالصينيين بأشكال عدة، منها فرض اللغة الصينية عليهم، وإقامة رجال صينيين في منازلهم، وإجبار النساء على ممارسة الجنس معهم.
تُفنّد الرواية الرسمية الصينية الادعاءات وحملة التشويه المتواصلة، وتقدم البراهين على كذبها، مثل القول بأن الدستور الصيني يتضمن تأمين حرية الأديان، بما فيها الدين الإسلامي، وأن الحكومة الصينية تحرص على تجسيد ذلك، بدليل وجود أكثر من 20 ألف مسجد، وأكثر من 29 ألف رجل دين، إضافة إلى 103 جمعيات إسلامية تعمل في الإقليم، و10 معاهد إسلامية، فضلًا عن ترجمة القرآن والسنة إلى اللغة الإيغورية، ووجود ضمانات كافية لأداء المسلمين الزكاة والحج، حيث حجّ أكثر من 50 ألف مسلم إيغوري إلى مكة المكرمة خلال السنوات الأخيرة.
كما يشهد الإقليم نهضة في مختلف المجالات، إذ زاره وفق بعض التقديرات 200 مليون سائح صيني خلال العام الماضي، ويشهد تطورًا اقتصاديًا وتعليميًا وصحيًا وثقافيًا، كما تشير الأرقام إلى ارتفاع مستوى المعيشة والتشغيل ومكافحة البطالة.
ولإظهار مصداقية روايتها، نظمت الحكومة الصينية زيارات لأكثر من ألف شخص من 90 دولة لزيارة الإقليم، ونظمت زيارة ثانية للإقليم لوفد من منظمة التعاون الإسلامي، وخرج بانطباعات إيجابية مخالفة لما يُروّج له. كما دعت الحكومة اللاعب الألماني من أصول تركية مسعود أوزيل لزيارة إقليم شينجيانغ، ليرى الحقيقة على أرض الواقع خلافًا للتغريدة التي كتبها وكرر بها المزاعم المغلوطة حول ما يجري في الإقليم.
أما حول الاحتجاز لهذه الأعداد الكبيرة بالملايين، فالأرقام المتداولة والمتناقضة أكبر من أن تصدق، وبخصوص احتجاز الأطفال، فالحقيقة أن برامج مكافحة الفقر في المناطق الصينية النائية، كافة، وليس في الإقليم فقط، تحتوي على برامج لدعم التعليم، حيث شرعت الصين ببناء مجموعة من المدارس الابتدائية منذ تسعينيات القرن الماضي، ولقد كانت هذه المدارس بأحجام صغيرة نسبيًا وتجهيزات بسيطة، ما أفقدها مع الزمن مزاياها وقدرتها التنافسية، ما أدى إلى قيام بعض المناطق بتوحيد المدارس وإقامة مدارس مركزية، وكان بينها عدد من المدارس الداخلية، وتلاميذها لا يعودون كل يوم إلى البيت، وهذا هو السبب في ظهور هذا النوع من المدارس في بعض المناطق الفقيرة في شينجيانغ، ويذكر أن غالبية الأسر المستهدفة رحبت بنظام المدارس المركزية.
أما عن تعليم اللغة الصينية فهذا صحيح، وهو ضروري، لأنهم يعيشون في بلاد يتحدث سكانها اللغة الصينية، وإذا لم يتعلمونها فكيف سيكون دورهم ومشاركتهم مؤثرة في البلد حاليًا وفي المستقبل، فهم يتعلمونها إلى جانب لغتهم الأصلية، هذا مع العلم أن مختلف المدارس الصينية تقدم دروسًا في اللغة الإنجليزية من أجل أن ينفتحوا على العالم.
قد يكون هناك من لا يصدق الرواية الصينية، وإذا كان حريصًا على الحقيقة، عليه أن يستقي معلوماته من مصادر محايدة، أو أن يزور الإقليم أو ينتدب من يثق به لزيارته. أما تكرار الرواية التي يطلقها أعداء الصين وخصومها، من دون تدقيق، فهذا لا يعكس الحقيقة، ويجعله خادمًا للغير.
قد لا تكون الديمقراطية وتجسيد حقوق الإنسان في أفضل صورها في الصين، كما أن حياة المسلمين في الصين ليست مثالية بالضرورة، ولكنها ليست بالتأكيد بالصورة التي يصورها الإعلام الغربي، والأميركي تحديدًا، المليء بالأكاذيب لتحقيق أهداف سياسية عدة، ومنها:
أولًا: حرف الأنظار عن الجرائم المرتكبة على امتداد العالم، من خلال التركيز على "التمييز والاضطهاد" بحق المسلمين وغيرهم، في حين أن التمييز بين المواطنين في البلد الواحد وإزاء بلدان شعوب أخرى، تتميز به أميركا، التي قامت على أساس التطهير العرقي ضد الهنود الحمر، ولا يزال هناك في أميركا من لم يتخلى عن هذه السياسة، وخاصة في عهد دونالد ترامب، وأكبر دليل ما تقوم به الإدارة الأميركية من دعم وتغطية لما تقوم به إسرائيل من كل أنواع الجرائم ضد الفلسطينيين، مسيحيين ومسلمين، والتعامل معها كدولة فوق القانون بدلًا من عقابها.
ثانيًا: تريد الإدارة الأميركية ومن يدور في فلكها أن يبقى المسلمون الإيغور جرحًا نازفًا في الجسم الصيني، من خلال تشجيع انفصاله عن بكين، أو إبقائه على صراع مع الحكومة الصينية، وذلك لتوفير البيئة لمواصلة الإرهاب الدموي هناك، مع العلم أن الإقليم استطاع الحد من موجة الإرهاب والتطرف، إذ شهد نوعًا من الاستقرار من دون عمليات إرهابية ذات شأن في السنوات الثلاث الماضية.
ثالثًا: تريد الإدارة الأميركية ومن يدور في فلكها إبعاد العرب والمسلمين عن الصين، في ظل تقدم الصين، وخاصة التكنولوجي والاقتصادي، الذي حقق معجزة في العقود الأخيرة، وبعد النمو الهائل في العلاقات بين الدول العربية والإسلامية مع الصين، وذلك لاحتكار الأسواق والإبقاء على السيطرة الأحادية الأميركية على العالم، وللحد من التقدم الصيني في المنافسة الحادة بينها وبين الولايات المتحدة على من الدولة العظمى الأقوى في العالم.
وختامًا، لا يمكن أن ننهي هذا المقال من دون الإشارة إلى أن الكثير من المسلمين يقعون ضحايا لعملية التضليل الجارية، لابسة ثوب الدفاع عن الإسلام والمسلمين، ويشارك فيها بعض قوى الإسلام السياسي، عن قصد أو عن جهل، التي لا علاقة لها بالإسلام والمسلمين، بل هي تكرار لما جرى من جعل المسلمين وقودًا في حروب الآخرين، خصوصًا الأميركيين، ولعلّ أفغانستان وما جرى فيها مجرد مثال صارخ على ذلك. وكان من بين هؤلاء ممن ساهم في الحملة ضد الصين تركيا، كون أصل الإيغور تركي، وأفراد ومجموعات فلسطينية دعت إلى مقاطعة الصين بدلًا من تطوير العلاقة معها، في الوقت الذي لم نسمع أنها دعت إلى مقاومة الاحتلال أو مقاطعته، أو إلى مقاطعة الولايات المتحدة جراء السياسات والجرائم التي ارتكبتها أو شجعت عليها ضد الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية والإسلامية وغيرها.
على العرب والمسلمين إقامة علاقاتهم مع مختلف دول العالم في ضوء ومدى اقترابها أو بعدها عن دعم قضاياهم، وخصوصًا القضية الفلسطينية أولًا، وفي ضوء مدى خدمة هذه العلاقات لشعوبهم وبلدانهم ثانيًا.
كانت الصين ولا تزال وآمل أن تبقى وأن نسعى لتبقى صديقة للشعوب والبلدان الفقيرة والمظلومة. كما كانت ولا تزال صديقة وداعمة للشعب الفلسطيني وقضيته، وهي ليس لديها ماضٍ استعماري، وتقيم علاقاتها مع البلدان على أساس التعاون والقيم المشتركة وتبادل المصالح.