المعركة القادمة هي معركة ''تنمية" بامتياز، في ظل "النموذج التنموي المرتقب"، الذي يعول عليه في تخليص البلاد والعباد من أورام الهشاشة والبؤس والإقصـاء، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، بشكل يجعل المغاربة على قدم المساواة أمام براق التنمية وما يحمله من خيرات وثمرات، لكن في نفس الآن، نؤكد أن المعركة الموازية التي لا مناص من خوض غمارها، هي "معركة الماء" الذي يعد عصب الحياة في أي نموذج تنموي، لما له من أبعاد وتداعيات ديمغرافية واقتصادية واستراتيجية، تزداد تعقيدا في ظل التراجع المقلق في نصيب الفرد من الماء، واشتداد الضغط على الموارد المائية، والتأثير المستدام للتغيرات المناخية، التي جعلت الكثير من البلدان ومن ضمنها المغرب، مهددة باستمرار بشبح الخصاص المائي.
والمغرب ينتمي مجاليا إلى عالم عربي يعد من أكثر المناطق فقرا من حيث الماء في العالم، وبلغة الأرقام، يبلغ متوسط نصيب الفرد من الماء في العالم العربي حوالي " 1000م3" سنويا (إفريقيا حوالي 5500م3، المعدل العالمي حوالي 7700م3)، وكل المؤشرات والمعطيات، تشير أن كل المجموعات الإقليمية العربية ستعرف تراجعا ملفتا في حصة الفرد سنويا من الماء في أفق سنة 2025، كما هو الشأن بالنسبة للمجال المغاربي، الذي يرتقب أن تتراجع الحصة إلى حوالي "568,4م3 " سنويا، مقابل حوالي "646م3" بالنسبة لبلدان النيل والقرن الإفريقي، و حوالي "165م3" في شبه الجزيرة العربية، وهي وضعية/مشكلة تنذر بالخطر، وتفرض على البلدان المهددة بشبح الفقر المائي أو التي تعيش حالة الفقر بحكم الواقع، البحث عن الحلول والبدائل، القادرة على التصدي للمشكلة المائية، وما قد تترتب عنها من آثار وتداعيات اجتماعية واقتصادية وأمنية واستراتيجية.
في ظل هذه المعطيات وغيرها، وإيمانا منه بأهمية المحافظة على الموارد المائية وحسن تثمينها وتدبيرها في زمن التغيرات المناخية، وتعزيزا لسياسة السدود التي نهجها بشكل مبكر الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه، وسعيا منه لكسب معركة الماء بما يضمن "الأمن المائي"، وضع المغرب "المخطط الوطني للماء" (2020-2050) كخارطة طريق لمواجهة مختلف التحديات الآنية والمستقبلية المرتبطة بالماء، وفي ظل هذا المخطط الاستراتيجي، ترأس جلالة الملك محمد السادس نصره اللهيوم الاثنين 13 يناير الجاري، حفل توقيع الاتفاقية الإطار لإنجاز "البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي (2020-2027)".
وهو برنامج واعد، من شأنه تعزيز الرصيد الوطني من السدود ببناء 20 سد كبير وعددمن السدود الصغيرة، وتزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب، وإعادة استعمال المياه العادمة لمعالجة سقي المساحات الخضراء، وإنجاز محطات لتحلية مياء البحر، ببرمجة ثلاث محطة (الدار البيضاء، آسفي، الداخلة) موازاة مع محطتي أكادير والحسيمة (في طور الإنجاز)، والاهتمام بالري، باستبدال طرق الري التقليدية بالري الموضعي،و برمجة مراكز للتزود بالماء بشكل يسمح بتعميم التزود بالماء الصالح للشرب لجميع دواوير المملكة، وكدا تحسين شبكات التوزيع بالمدن، و توعية المواطنين بترشيد استعمال الماء وأهمية المحافظة عليه.
هي إذن، إرادة رسمية، تحكم فيها هاجس ضمان الأمن المائي، في ظل التغيرات المناخية المقلقة، وتزايد الطلب على الماء عبر السنوات، وبالقدر ما نثمن ما سيبدل من جهد في إطار تنزيل أهداف ومقاصد "المخطط الوطني للماء" على امتداد الثلاثين سنة القادمة، بالقدر ما نؤكد على ضرورة أن تشكل المشاريع والبرامج المائية المرتقبة جميع الجهات، بما يضمن تحقيق العدالة المجالية على المستوى المائي، مع الحرص على تفعيل آليات الحكامة الجيدة وربط المسؤوليات بالمحاسبة، من أجل تنزيل أمثل للسياسة المائية الوطنية، وهي مناسبة للتنصيص، أن "النموذج التنموي المرتقب" لا يمكن تصوره بمعزل عن قطاعات استراتيجية وعلى رأسها "الماء" لأنه عصب التنمية والحيــاة، والرهان عليه، هو رهان على "الأمن المائي" ورهان على "الأمن" و"الاستقرار"، عسى أن نكسب جماعيا تفاصيل "المعركة الزرقاء .. معركة الماء ..