رشيد لزرق: مؤامرة العائلوقراطية على لجنة شكيب بنموسى!

رشيد لزرق: مؤامرة العائلوقراطية على لجنة شكيب بنموسى! رشيد لزرق

ينبغي على لجنة شكيب بنموسى أن تستحضر السبب الحقيقي الذي أدى إلى استنفاد العمل بالنموذج التنموي الحالي، لأن التحول الذي عرفه المجتمع المغربي في المبنى والمعنى جعل النموذج الحالي عائقا أمام دخول المغرب لمرحلة الصعود وتكريس دولة المؤسسات.

 

لذا ينبغي الإقرار بكون النموذج المعتمد أفرز اقتصاد الريع وهيمنة نخبة حزبية وذو مالية بعينها استفادت من سنوات الانفتاح وكونت شبكة مصالح عائلوقراطية، وحصلت على منافع الإثراء غير المشروع. وبفعله حققت تراكم ماليا، من خلال امتهانِها للاسترزاق السياسي وتحالف من المركبات المصلحية، وتوليها مهمة شراء ذمم ونشر المحسوبية، مع سحق الكفاءات الشابة الرائدة في مجالات استغالها.

 

فكلنا يعاين كيف أن أحزاب تدعي التقدمية والحداثة ولا حياء لها في التستر عن فضيحة التوريث الحزبي وإعطاء صورة عن النموذج التنموي لضمان مستقبل الأبناء بغاية استمرار الحصانة السياسية وحماية الثروة المطمورة في خزائن القيادات الحزبية العائلوقراطية. وتحاول تحقيق إعادة انتشار لا دستورية من خلال تحالفها مع المركب الذومالي والإخواني الحكومي الذي ضرب مبدأ تكافؤ الفرص في التعيينات بالمناصب العليا، ومنع التنافس الاقتصادي القانوني لإنماء الثروات، والقطاعات الحيوية ذات فائض القيمة.

 

إن أطروحات الأحزاب القاصرة وأسماء الحاضرات والحاضرين للقاءات لجنة شكيب بنموسى، تزرع الخوف من أن تسير بنا مقترحاتهم تحت غطاء التوافق والانخراط في الاقتصاد العالمي إلى صياغة نموذج "تنموي عائلوقراطي متوحش" لا يجيب على الاشكاليات الحقيقية، والمتمثلة في تحرير الطاقات واستقطاب الكفاءات من الأجيال الصاعدة.

 

إن خلل النموذج الحالي يتمثل في حالة الإحباط وانهيار الأمل لدى الشباب المتعلم، هذا الشباب الذي أصبح يرفض الاستغلال وتصيد الفرص الذي تمارسه جزء من النخبة المسترزقة، مما أدى إلى اهتزاز الثقة في جميع المؤسسات، كما تسبب في حالة احتقان اجتماعي متزايدة. وذلك لكون المطالب المجتمعية المتعلقة بالعدالة الاجتماعية، ولدت تيارا شبابيا مناديا بالكرامة والحرية والمواطنة الدستورية في ظل منظومة اقتصادية وسياسية تميل نحو الانغلاق على الذات بشكل مريع.

 

وبفعل انتشار الرقمنة والانفتاح المعلوماتي تولَّد لدى خريجي المدارس والجامعات المغربية، وهو الأمر الذي باتت تتخوف منه «العائلوقراطية»، خاصة مع إقرار الاختيار الديمقراطي الذي لا رجعة فيه.

 

ولعل هذا ما يصعب منطق الاندماج مع العائلوقراطية في شبكات تحالفاتها ضمن مشروع المواطنة المغدور. بالتالي، فالمرحلة الحالية مرحلة تعزيز تحرير الطاقات ونشر الأمل وفتح الآفاق وإبداع نموذج تنموي يمكننا من حلول وطرح مشاريع مجتمعية، وليست مرحلة للوصاية باسم الدعوة الكهنوتية أو عبر آليات عتيقة ترجع إلى زمن الصراع الماضوي.

 

وها أنتم كلكم تتابعون ذاك "الأب الأكبر" الذي ادعى الحديث باسم القوات الشعبية، كيف حوَّل الجلسة مع لجنة شكيب بنموسى من نقاش مستفيض بمقترحات تخص نموذج يهم جميع المغاربة، وانتقل بها إلى جلسة عائلية تعنى بإنقاذ أبناء العائلات الحزبية داخل الاتحاد الاشتراكي، وهام الجميع في الترويج لصورة معبرة عن نموذج تنموي يعود بالربح والفائدة على نفس العائلات المتحكمة في رقاب القوات الشعبية. وهكذا سكت شكيب بنموسى عن استفسار قيادة الاتحاد الاشتراكي عن مطالب أبنائهم الخاصة الذين جاؤوا مدفوعين دون أي رصيد إبداعي يذكر ولا منتوج ثقافي تنموي يُنظر.

 

فقط هي العناية الأحادية لشكيب بنموسى جعلتهم يرون سراب أبنائهم دون أن يفهموا المجتمع بشكل جيد. والحال أنهم منفصلون عن الجماهير الشعبية، ينظرون إليها نظرة تنميط جاهز، مأخوذة من الخارج، أو بناء علي نميمة حزبية. وهذا ما جعلهم يفشلون في تنمية عقلهم السياسي ويعجزون عن طرح مشروع حداثي بديل.. لقد ظلوا لزمن طويل كمجموعات ضيقة ومنسجمة ومنغلقة على نفسها، لم تدرك أن التزايد الديمغرافي يغير بعض المعطيات على جميع المستويات.

 

عود على بدءٍ، إن ما لم تستوعبه لجنة شكيب بنموسى، ومعها قيادة مقر العرعر، فإن عامل التنوير الذاتي مكَّن من بروز جيل جديد، جيل متحرر من عقد الماضي. إنه جيل صدمة التحديث، جيل أدى ثمن الصراع من جودة تعليمه ومن مستوى معيشته ومن مبلغ راتبه الشهري الثابت الذي يجعله -بفعل تربيته على قيم الثوابت الدينية والوطنية الأصيلة-، ملزما باقتسام راتبه الشهري مع العائلة التي كفلتْهُ والتي تعاني هي أيضا من هزالة المعاش، وكذا مع أصدقائه المعطلين والمهمشين. وهذا ما يجعلها البديل الطبيعي وصمام الأمان لضمان التحول الديمقراطي بالمغرب.

 

- رشيد لزرق، خبير الشؤون الدستورية والبرلمانية