محسن بنزاكور: تقرير مندوبية لحليمي حول الهجرة إعلان رسمي عن فشل الدولة في ضمان استقرار المجتمع

محسن بنزاكور: تقرير مندوبية لحليمي حول الهجرة إعلان رسمي عن فشل الدولة في ضمان استقرار المجتمع محسن بنزاكور
يسلط محسن بنزاكور، المتخصص في علم النفس الاجتماعي،  الضوء على نتائج الدراسة التي أعدتها المندوبية السامية للتخطيط بشأن الهجرة، مشيرا إلى أن عددا هاما من المهاجرين فقدوا ثقتهم في سوق الشغل، أي في النظام الاقتصادي المغربي وفي النموذج التنموي المغربي، كما فقدوا الثقة في النظام التعليمي المغربي، وهي المؤسسات التي تشكل العمود الفقري للدولة والأمة، مشيرا إلى أن الأرقام التي نشرتها المندوبية السامية للتخطيط هي دليل فشل رسمي للدولة في القيام بواجبها من أجل ضمان استقرار المجتمع.
 ما هي قراءتك لنتائج الدراسة التي أجرتها المندوبية السامية للتخطيط التي تشير إلى أن 23.3 في المائة من الأشخاص غير المهاجرين ينوون الهجرة؟ وإلى أي حد تستند على معطيات وبيانات متينة بهذا الخصوص؟
المندوبية السامية للتخطيط برهنت من خلال وسائل على أنها تتوفر على رجالات وعلى إمكانيات ووسائل من خلال الإحصاء السوسيولوجي بشكله المطلوب. وبالتالي، فمسألة تمكنها أم عدم تمكنها يتطلب فتح تحقيق. نحن نفترض أن ما جاءت به المندوبية السامية للتخطيط بشأن الهجرة صحيح، بالنظر إلى طبيعة الهجرة في المغرب، وما يهم في الدراسة هما أمران: التبرير الذي يتم إعطاؤه للمهاجرين، أي الشغل، والأخطر منه هو التبرير الذي يعطونه لمن ينوون الهجرة، والذين يشكلون ما يقارب ثلث المغاربة. فماذا تبقى من كل هذا؟ تبقى الأمل.. وكل من يعيشون حاليا في المغرب يعيشون على أمل لم يتحقق، وهذا ما يفسر لنا بمعنى آخر: لماذا فقد المغاربة الثقة في المؤسسات بكاملها، تبعا لدراسة أخرى قامت بها المندوبية السامية للتخطيط. وعلاقة بتصريح المهاجرين الذين عبروا عن فقدان ثقتهم في سوق الشغل، أي في النظام الاقتصادي المغربي، وفي النموذج التنموي المغربي، كما فقدوا الثقة في النظام التعليمي المغربي. إذاً أكبر المؤسسات التي تشكل العمود الفقري للدولة والأمة والمجتمع مشكوك فيها.. وهذا شيء عادي جدا، فكما يقول المغاربة: « حتى قط ما تيهرب من دار العرس»، فلا أحد من المغاربة يقبل مغادرة بلاده طوعا، لأنه لا وجود من ناحية القيم ومن ناحية التاريخ أفضل من الأرض والوطن. لكن لما يكون هذا الوطن سببا في تعاستك، بسبب عدم توفير مناصب الشغل، وعدم وجود تعليم ذي جودة رغم صرف الملايير، ووجود مشاريع كبرى للإصلاح، فحينها لا يكون أمامك من خيار سوى الهجرة، علما أن المرجعية الدينية تقول: «ألم تكن أرض لله واسعة فتهاجروا فيها..». إذاً هناك دوافع للهجرة: دافع الواقع، ودافع الهجرة كبديل. وبالتالي فتقرير المندوبية السامية للتخطيط ينبغي قراءته من هذا الجانب، فهو إعلان رسمي لفشل الدولة في القيام بواجبها من أجل ضمان استقرار المجتمع. فلو تم تعميق بحث المندوبية ليشمل الأشخاص الذي يتوفرون على إمكانات الاستشفاء خارج أرض الوطن، فمن المؤكد أنهم سيصرحون بأن السبب هو فشل المنظومة الصحية، لذا فكل هذه المعطيات المتعلقة بالهجرة تؤكد وجود فشل ذريع للدولة. أعتقد بأن هذا يشبه حالة تطليق الزوج لزوجته أو الزوجة لزوجها بسبب استحالة الحياة.. ومع ذلك، فالمهاجر المغربي حينما يستقر في بلد الهجرة يجذبه الحنين إلى وطنه، إلا أنه يستغل هذا المهاجر مرة أخرى، وتنتهك كرامته وحقوقه، ولعل مشروع «دارنا» الذي بني على سرقة أموال المهاجرين خير دليل بهذا الخصوص.
 لكن لماذا لا تتم قراءة الهجرة من زاوية أخرى تتعلق بتفضيل عدد هام من المهاجرين الأفارقة القدوم إلى المغرب، إلى جانب تفضيل عدد هام من المستثمرين الفرنسيين والإسبان وعدد هام من المشاهير الاستقرار في المغرب؟
ما طرحته يقودنا إلى التفاصيل.. فمن هؤلاء المغاربة الذين يفضلون الهجرة؟ ومن هؤلاء الأفارقة الذي يهاجرون إلى المغرب؟ ومن هؤلاء المستثمرون والمشاهير الأجانب الذين يفضلون الاستقرار في المغرب؟ فالأمر يتعلق بثلاثة أصناف اجتماعية لا علاقة تربط بعضها ببعض، فالفئة الأولى، أي المهاجرون المغاربة هم الفقراء والكادحون الذين لم يجدوا لقمة عيش، وأكبر دليل هو ذاك الرياضي المسكين الذي رمى بميداليته في البحر واستقطبته إسبانيا. وبالتالي فالإشكال لا يتعلق بالكفاءات بل بالواقع المغربي الذي لا يستجيب لطلبات ورغبات الشباب، حيث أن النسبة الكبرى من العاطلين من ذوي الشهادات العليا تبعا للاحصاءات الرسمية. المسألة الثانية، وتتعلق بالأفارقة الذين يهاجرون إلى المغرب، فهم أضعف حالا من مغاربتنا، ويجدون في المغرب ما لا يجدونه في بلدهم، وربما بسبب تدني مستواهم المعيشي في بلدانهم الأصلية، أو ربما لأسباب سياسية وهيمنة الديكتاتوريات في إفريقيا، ثم هناك أيضا المعطى التاريخي هو أن المغرب كان دائما بلد عبور، ولم يكن بلد استقرار. وبالتالي لم يتحول إلى بلد لاستقرار المهاجرين إلا بعد تضييق الخناق من قبل البلدان الأوروبية على الهجرة، لذا كان من الضروري أن يلعب المغرب دور الدركي للحد من الهجرة بتشجيع من الأوروبيين، حيث أصبحوا يؤدون المقابل كي يظل الأفارقة في المغرب، وهذا قرار سياسي أوروبي معروف. أما بخصوص المستثمرين والمشاهير الأجانب، فما يوفر لهؤلاء لا يوفر لبقية المجتمع، ونحن نعرف الحظوة التي تمنح للمستثمرين الأجانب، والتسهيلات التي يتلقونها، فهم لا يعيشون نفس الظروف ونفس الواقع.. وقد يعود هذا إلى الليبرالية، فحتى في البلدان الأجنبية يحظى أصحاب رؤوس الأموال بتعامل خاص مقارنة ببقية المجتمع.. إننا إذاً إزاء معيار الكيل بمكالين، حيث تخلينا عن عدد من القيم الإنسانية وضمنها قيم التكافل والتضامن، لأننا دخلنا رأسا في المفهوم الليبرالي.
لماذا يتم التعاطي مع الهجرة بهذه النظرة الجنائزية، علما أن الهجرة معطى كوني، فهناك مثلا عدد هام من الفرنسيين الذين يفضلون الهجرة إلى إيرلندا وانجلترا وسويسرا؟
دراما الهجرة في المجتمع المغربي تتمثل في أنها ليست هجرة مقننة كما هو الحال في بلدان أخرى، فمثلا لما نتحدث عن كندا فالواقع يختلف.. ستجد هناك المحامي يتخلى عن محاماته، والأستاذ يتخلى عن أستاذيته، لأنه وجد بديلا أفضل، معززا ومكرما، وبطريقة مشروعة، بينما نحن نتحدث عن هجرة سرية يهان فيها المواطن، حيث يهاجر دون أن يعرف الآفاق المستقبلية التي تنتظره. فهذا هو الذي يجعلنا نتحدث عن الشؤم من مسألة الهجرة في المغرب، والدليل الآخر هو أن أوروبا أصبحت تعيد مجموعة من المهاجرين إلى المغرب، وآخرها يوم 5 يناير 2020، دون أن ننسى وجود هجرة داخل الوطن، وهي مقننة. فحينما تأخذ الإدارة على عاتقها ألا يظل المسؤول مستقرا في منصبه لمدة تفوق 4 سنوات، فلها غاية ديمقراطية، وهي غاية النزاهة التي تخلق في آخر المطاف نوعا من التمازج بين الثقافات المتعددة التي تشكل المغرب، وهو الأمر الذي خلق في آخر المطاف شكلا من أشكال التقارب، وهذا أمر جميل جدا في هذا المستوى.