يزيد البركة: ردا على الرسائل السياسية حول الديمقراطية والتنمية (3)

يزيد البركة: ردا على الرسائل السياسية حول الديمقراطية والتنمية (3) حميد البوشيخي ويزيد بركة (يسارا)
يبعث القيادي اليساري يزيد البركة رسائل من تحت الماء في مقال مطول- تنشره "أنفاس بريس" في أربع حلقات- إلى حميد البوشيخي، عضو لجنة النموذج التنموي حول الديمقراطية والتنموية المعينة حديثا، قدم فيها دروسا إلى البوشيخي ردا على قولته التي أثارت سجالا حول مضمونها الذي يتحدث عن أن المغرب غير ناضج للممارسة الديمقراطية. وفي ما يلي الحلقة الثالثة من مقال البركة:

2- الدرس التاريخي الميكانيكي: 
منذ الاستقلال الشكلي للمغرب مرت الآن 64 سنة، ستة أضعاف الزمن في المتوسط الذي تطلبته كل الدول التي خرجت من التخلف إلى التنمية، وما يزال زمن المغرب يراوح مكانه ويبحث عن المبررات ليبدأ من الصفر. أليس المغرب درسا بليغا للدول التي تبحث عن طريقها إلى التنمية لكي تتجاهله وتمحيه تماما من دراساتها؟ 64 سنة من غياب الديمقراطية والانكباب على أشكال عديدة "للإقلاع الاقتصادي" اعتمادا على البنك الدولي وجيوب الرأسمالية العالمية وعلى الوكلاء في الداخل، النتيجة فشل على كل الأصعدة !!.
كم هو عدد أثرياء المغرب الآن؟ وهذه معضلة أخرى تفضح غياب الديمقراطية، لأن هناك إرادة في عدم كشف الحقيقة، البعض يقول 5 آلاف والبعض يقدر العدد في ستة آلاف والبعض يقول 150 ألف والبعض يقول نصف مليون، وكم كان العدد في بداية الاستقلال حتى الحكومة الرابعة برئاسة عبد الله إبراهيم؟ مجرد بضعة عائلات قليلة ولا تملك إلا الرأسمال التجاري والقليل من الرأسمال في الصناعة الغذائية، ماذا يبين هذا؟ يبين أن المغرب منذ الاستقلال وهو يغني الأقلية في الكم وفي حجم الثروة ويفقر الأغلبية بالرفع من عددها وبالتقليص من مواردها.
لكل دولة من الدول التي أوردتها المقالة على أنها خرجت من التخلف خصوصيات مساعدة، وخروجها منه على كل حال ليس بسبب التضحية بالديمقراطية كما اعتقد وكل الدول اقتنعت أولا بضرورة التحديث، فلا تنمية في هذا العصر بدون حداثة واليابان وكل تلك الدول في آسيا لما قررت هذه الخطوة وجدت في الكونفوشية السند القوي والداعم. والأمثلة المقدمة ليست درسا، لأنها من جهة مخالفة لما يسير عليه المغرب ويتحكم في توجهاته ولأن الأمثلة أخذت بطريقة أوتوماتيكية.
ماذا حصل في المغرب وما يزال يحصل منذ السنوات الأولى؟ لقد لجأت الدولة إلى وقف تطور المذهب المالكي، التطور الذي كان يمثله عدد من العلماء الذين ناهضوا المستعمر الفرنسي والاسباني وقمعت أصواتهم وشددت الخناق عليهم ولجأت إلى الاخوان المسلمين من أمثال سعيد رمضان وفاروق النبهان، ولأن فكر الاخوان المسلمين هو فكر الطبقات المتوسطة، ولأن الدولة وجدت نفسها في حاجة إلى الانتقال إلى مرحلة جديدة بإشراك الطبقات الشعبية في الهجوم على كل ما يتعلق بالديمقراطية والحداثة بل وسلك طريق الهجوم والمطاردة، جاءت فكرة استيراد فكر الوهابية. والدولة الآن حسب ما تفكر فيه مرتاحة لأنها أنبتت في التربة المغربية عدة مدارس فكرية متناقضة، لها تصوراتها ولها قواعدها الاجتماعية، وفي كل المراحل التي يناقش فيها المجتمع نقطة من نقاط الدمقرطة تكون الدولة حكما أو تدفع قليلا إلى الأمام حسب الحاجة، وبهذه الطريقة قد نصل إلى التنمية وإلى الديمقراطية في ألف سنة! إذا لم تجلب الدولة من أصقاع العالم مرة أخرى، فكرا آخر أكثر تطرفا وأكثر عدوانية.
ما نزال نعيش في المغرب مرحلة سياسية ترسم فيها الأقلية من المجتمع التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومن وراءها البنك الدولي يصفق لها ويجرها إلى الهاوية. كل مكونات التنمية وكل مواضيع الديمقراطية عاش حولها المجتمع المغربي صراعا حقيقيا وما يزال؛ عاش صراعا حول الأرض وحتى وضع حد للهوة بين الفلاحة التقليدية والعصرية الذي كانت تتغنى به الدولة لم يحصل، وقد استولت اٌقلية على أجود الأراضي وكانت مياه السدود والعيون الأساسية في خدمتها، وعاش صراعا حول الثروات الباطنية التي تبخر مردودها، من إخفائها تحت جلباب ملكية الدولة ومنه إلى ملكية الأقلية أو التصرف فيها بالحيازة أو "جبهة" بالدارجة، وعاش صراعا حول الثروات البحرية التي هي الأخرى تحت جلباب الدولة وتلاعبت بها عن طريق التراخيص، وصراع حول العقار والسكن ومواجهة غول مصِر على الاستغلال الحاد ليس فقط لحاجات الأسر الغنية في السكن وغيره بل حتى لحاجات سكان مدن الصفيح والفقراء بالترامي على أراضي الدولة والجماعات وغير ذلك، بأساليب في غاية الالتواء على القوانين. والكل يعرف قصة الصراع حول مجانية التعليم وإلزاميته، وصراع مرير حول قوانين المالية وإعادة توزيع ما عافته الأقلية أو أغمضت عينها عنه إلى حين، وفي كل الحكومات كانت مبالغ المالية التي تقدم على أنها موارد الدولة لا تكفي حتى للتسيير، ومن هنا ظهر خطاب جديد للأقلية ولأطرها يقول أن الدولة ليس لديها ما تلبي به الحاجات الاجتماعية من صحة وتعليم  وغيرهما ويجب البحث عن أساليب جديدة لتلبيتها، وإذا سارت اللجنة في هذا الدرب المظلم فلن يكون هناك شئ يرجى.
الأمثلة كثيرة على إصرار الأقلية على نهج نموذج استغلالي بالغ القسوة يسمى عندهم النموذج التنموي الحالي يتصف ب:
- أولا، بأنه خارج الديمقراطية، وهذا درس بليغ لمن أراد أن يكون موضوعيا. 
- ثانيا، نقل الثروات الوطنية إلى أيدي أقلية.
- ثالثا، ما بقي في يد الدولة يسير بدون مراقبة ومحاسبة. 
- رابعا، النموذج الاستغلالي الحالي في قبضة البنك الدولي منذ عقود طويلة لتوجيهه الوجهة التي تخدم مصالح الدول الكبرى المساهمة فيه. 
- خامسا، النموذج الحالي يدور في حلقة مفرغة بسبب عدم قدرة الدولة على الحسم الإيجابي مع الحداثة في الثقافة والفكر والتعليم.
في ظل هذا، لا أرى أن الطريق الذي فضلته المقالة بالتضحية بمطلب الديمقراطية طريق معبد لتحقيق التنمية، وأكثر من هذا فإن البحث عن نموذج جديد في إطار بقاء الوضع كما هو عليه في تلك القضايا لا يمكن أيضا أن يحقق شيئا لأنه لن يتعدى في أحسن الظروف ما كان قد صرح به الملك الحسن الثاني مشجعا الفلاحين على التصدير، حين قال أن المصدر يمكن له أن يبيع الهندية الواحدة بخمس دراهم في أمريكا، بأن تشجع هي أيضا على زرع الصبار وتصديره؛ وكانت خمسة دراهم في ذلك الوقت مبلغ له قدر عند الطبقات الشعبية، أما الآن فهو لمبلغ لا يتعدى فعليا درهما واحدا  بالمقارنة مع ذلك الوقت.
إن الشعب المغربي كمنطلق وبداية في حاجة إلى استرجاع ثرواته وأن يملكها حقيقة حتى يستطيع أن يقضي على البطالة ويمول التعليم والصحة ويستثمر في ما هو منتج ليتحول إلى بلد صناعي.