عزيز لعويسي: عين على "مناظرة الجهوية"

عزيز لعويسي: عين على "مناظرة الجهوية" عزيز لعويسي
بتلاوة نص الرسالة الملكية الموجهة للمشاركين، افتتحت فعاليات"المناظرة الوطنية الأولى للجهوية المتقدمة"المنظمة بأكادير من طرف "وزارة الداخلية" "جمعيات جهات المغرب" يومي 20 و21 دجنبر2019، تحت الرعاية الملكية، بحضور عدد من الفاعين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين، وهي مناسبة، لنوجه البوصلة نحو ورش الجهوية المتقدمة، الذي تعزز بعدد من الآليات التشريعية والمؤسساتية، كان آخرها إصدار والشروع في تنزيل مقتضيات "الميثاق الوطني لللاتمركز الإداري" موضوع المرسوم 618-17-2 (الصادر بالجريدة الرسمية عدد: 6738 بتاريخ 27 دجنبر 2018)، الذي يعول عليه لتحقيق عدد من الأهداف، منها "التوطين الترابي للسياسات العمومية من خلال أخد الخصوصيات الجهوية والإقليمية بعين الاعتبار في إعداد هذه السياسات وتنفيذها وتقييمها" و "مواكبة التنظيم الترابي اللامركزي للمملكة القائم على الجهوية المتقدمة والعمل على ضمان نجاعته وفعاليته" (المادة 7).
و بالقدر ما نثمن ما تحقق على أرض الواقع من متغيرات قانونية ومؤسساتية، التي من شأنها استكمال لبنات ورش الجهوية المتقدمة، بما يضمن حسن أجرأتها وتنزيلها على أرض الواقع، لكسب رهانات التنمية الجهوية والتخفيف من حدة التباينات السوسيومجالية، وبالقدر ما يمكن تثمين تنظيم مناظرات وطنية من هذا القبيل، تتيح فرصا للتشاور والنقاش بين الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين والأكاديميين، بشكل يسمح ببلورة أفكار وتجارب وخلاصات وتوصيات، من شأنها تجويد الممارسات الجهوية والارتقاء بها، بالقدر ما نرى أن "الجهوية المتقدمة" ليست فقط آليات تشريعية ومؤسساتية، ولا حتى توسيع وعاء الاختصاصات والصلاحيات الممنوحة للجماعات الترابية وعلى رأسها الجهات، بل هي "فلسفة" عاكسة لرؤية الدولة للمجال، تراهن على التنمية في بعديها الجهوي والمحلي.
"فلسلفة" نجاعتها وفعاليتها، مرتبطة بالأساس، بطبيعة الفاعلين الذين يتحملون مسؤولية تدبير الشأنين المحلي والجهوي، بدءا بالجماعات الحضرية والقروية وانتهاء بالمجالس الجهوية، ومدى توفرهم على شروط "النزاهة"، "الاستقامة"، "استحضار المصلحة العامة"، "روح المسؤولية"، "روح المبادرة"، "الخبرة"، "الكفاءة"، وكدا "القدرة على فهم نبض الساكنة المحلية وحسن الاستجابة لمتطلباتها وانتظاراتها"...إلخ، وفي هذا الصدد، فإذا كان "النموذج التنموي القائم" منذ سنوات، قد كرس مشاهد القصور والمحدودية، فنرى أن تشخيص الوضع الراهن، لابد أن يمر عبر الجماعات الترابية، التي تتحمل بدرجات متفاوتة ما تخلل المجالات المغربية من أزمات متعددة المستويات في المدن كما في الأرياف، في ظل شيوع ثقافة العبث وغياب روح المسؤولية وضعف منسوب المواطنة، وما تخلل ويتخلل الانتخابات المحلية والجهوية، من ممارسات بعيدة عن "روح الديمقراطية"، كرست وتكرس مفهوما للسياسة في ذهن المواطنين، يرتبط بالأنانية المفرطة والبحث عن المكاسب والمصالح والإثراء غير المشروع، وهو وضع، جعل عبر سنوات، فئات عريضة من المغاربة خارج نسق التنمية، وأسس لمجالات ترابية، تتقاطع فيها مفردات "الهشاشة" و"الإقصاء"، في ظل الإفلات من العقاب وغياب ربط المسؤولية بالمحاسبة ..
وعليه، وفي أفق "النموذج التنموي المرتقب" الذي نعول عليه جميعا، لتجاوز الكبوات والاختلالات التنموية، وتحريك عجلة التنمية بنجاعة ومساواة وإنصاف في المجال الوطني، وفي ظل الآمال المعقودة على "الجهوية المتقدمة" لكسب رهانات التنمية الجهوية والمحلية، نرى أن المرحلة، تقتضي الارتقاء بمستوى الممارسة السياسية على المستويين الجهوي والمحلي، وهنا نوجه البوصلة نحو "الأحزاب السياسية" بكل انتماءاتها، من أجل القطع مع منطق "الربح" و"الخسارة" في الانتخابات، والحرص على تزكية الكفاءات والخبرات الجهوية والمحلية، التي تتوفر فيها شروط "النزاهة" و"المصلحة العامة" و"القدرة على إحداث التغيير" و"رصد نبض الساكنة وانتظاراتها وتطلعاتها"، وهذا يقتضي، تجاوز "الكائنات السياسية" التي لا تظهر إلا في الانتخابات الجهوية والمحلية، ترقبا لأية فرصة سانحة، تسمح بممارسة التهور الأخلاقي والعبث السياسي، والمسؤولية أيضا، هي مسؤولية المواطنين، الذين يفترض أن تقع أعينهم، على من يحسن تمثيلهم ويجيد الاستجابة لقضاياهم وانتظاراتهم، أما الدولة، فلا خيار أمامها، إلا الحرص على تطهير المشهد السياسي وطنيا وجهويا ومحليا، بتفعيل تطبيق القانون وربط المسؤولية بالمحاسبة، ومحاربة كل أشكال الفساد والريع، ونختم بالقول، أن "الجهوية المتقدمة" هي "فلسفة" تقتضي "فلاسفة" نزهاء قادرين على التفكير وحسن التدبير، أما "النموذج التنموي المرتقب"، فلا يمكن كسب رهانه، إلا بإشهار أسلحة "سلطة القانون" و"ربط المسؤولية بالمحاسبة" والقطع بشكل لارجعة فيه مع مفردات "العبث" و"الريع" و"الإفلات من العقاب" ...