عبد الالاه حبيبي: ظاهرة قتل الصبيان.. الكرنفال الرهيب الذي يزحف إلى دروبنا

عبد الالاه حبيبي: ظاهرة قتل الصبيان.. الكرنفال الرهيب الذي يزحف إلى دروبنا عبد الالاه حبيبي
قتل الأطفال من لدن الآباء وبتواطؤ الشريكات، أو من لدن العشاق وبمشاركة الأمهات، أصبح ظاهرة لافتة للنظر بحكم فظاعتها، ونوعيتها، وطبيعة ضحاياها، أي الصبيان والأطفال العزل.
جريمة العرائش وجرائم كثيرة في بلدان أوروبا شبيهة أماطت اللثام عن واقع بشري جديد، فضحت العمق القبيح الذي وصل إليه الانحطاط القيمي الإنساني، لقد رفع الستار عن الغول الذي طالما تزيَّن بالمساحيق لترويج صورة مزيفة عن حقيقته الفعلية، إنه الإنسان المُعوْلم المريض بأناه، والعاجز عن التخلص من تعبه السيكولوجي المزمن.
قتل الصبيان، ترويع الضمائر، هو في الحقيقة استنهاض للهمم الغارقة في مغازلة أمواج الرأسمالية العمياء التي لا مكان فيها للإنسان المُجَوْهر، هي وطن بئيس للإنسان المُسوَّق، إنسان النزوعات، الميول الاستهلاكية، الملاهي، الأكل السريع، النوم المضطرب، إنسان العسر الوجودي المصاب بتحجر روحي كريه...
رمي الأجنة في القمامات، التخلص من المواليد بكل الطريق الوحشية التي ترويها وتصورها وسائل الإعلام، هو إعلان الحرب البلهاء على مجتمعات غير سوية، هو تنبيه إلى فشل كل الخطابات المؤدلجة أخلاقيا، والمسوقة عالميا ومحليا، إنها نهاية مفزعة لكل المعتقدات التي فشلت في حل مشكلات البشرية، ضمور الوازع الأخلاقي الطبيعي الذي أفقره الخطاب الديني المتطرف، وأنهكه الخطاب الاستهلاكي والإشهاري المبيح لكل السلوكات الرعناء، هو سقوط مروع للمنظومة الفكرية والأخلاقية ككل... نهاية الإنسان المتصل بالعقل والسماء والضمير وتقديس الحياة...
يشارك هذا القتل ظاهرة أخرى اشد فظاعة، الانتحار، قتل النفس الذي يتم في صمت القلب وعزلة الروح، هنا وهناك شباب يقتلون أنفسهم في عتمة الحميمية وضبايية الرؤية، وصلابة اللحظة، يقررون في الخفاء متى يموتون، ثم ينفذون القرار دون إعلام أحد، أو حتى ترك وصية أو رسالة تشرح أسباب مغادرتهم قطار الحياة في هذه الظرفية بالضبط....
الغباء المسيطر على العالم، التفاهة المتحكمة في إنتاج القيم والأفكار البليدة، الصفاقة الوقحة، التراجع المحزن للفكر الجبار الناقد والمنقذ من غواية العبث، السكوت عن الظلم المنتشر في كل بقاع العالم، الانصراف للبحث فقط عن الكماليات، وترك الأساسيات، التخلي عن المدرسة لصالح موديلات الرأسمال، ترك الأسر تتدبر محنها المالية والتربوية بمفردها، عدم توفير الوساطات السيكولوجية والمؤسساتية لتأمين الناس من خطر العزلة الوجودية التي قد تنتج من المآسي ما لا تنتجه الحروب، تلكم هي من بين الأسباب الكبيرة والمتعددة لهذا الكرنفال الرهيب الذي بدأ يشق طريقه في دروبنا وأحيائنا وحتى في عمق أقدم صرح في وجودنا، أي كل منظومتنا الروحية والفكرية...