سعيد الكحل: التوحيد والإصلاح تريد فرض الرقابة على المؤسسات الدستورية

سعيد الكحل: التوحيد والإصلاح تريد فرض الرقابة على المؤسسات الدستورية سعيد الكحل

في خرجة غير محسوبة العواقب السياسية والدستورية، تسعى حركة التوحيد والإصلاح إلى فرض الرقابة على المجلس العلمي الأعلى الذي يرأسه الملك بصفته الدستورية أميرا للمؤمنين، وكذا المجلس الوطني لحقوق الإنسان. فالحركة وضعت نفسها فوق الدستور وأعطت لهيئتها اختصاصات لا تختلف عن اختصاصات "ولاية الفقيه" الخمينية. إذ لم تكتف الحركة بإعطاء رأيها في مسألة الإجهاض إلى اللجنة الملكية التي تم تشكيلها سنة 2015 لهذه الغاية، بل تصر على خرق الدستور الذي يحدد مهام المجلس العلمي الأعلى وكذا اختصاصات المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وذلك بالتحقيق مع الأول واستفساره في شأن المذكرة التي رفعها المجلس الحقوقي إلى وزارة العدل حول مشروع القانون الجنائي المعروض حاليا على البرلمان.

 

ففي الندوة الفكرية التي نظمها "مركز مقاصد للدراسات والبحوث"، التابع لحركة التوحيد والإصلاح، في موضوع "قضية الإجهاض في المجتمع المغربي.. مقاربة شرعية وقانونية وطبية"، خرج رئيس الحركة السيد عبد الرحيم الشيخي عن اللياقة السياسية والأعراف الدستورية وخاطب المجلس العلمي الأعلى مستفسرا -كما يفعل الرئيس مع مرؤوسيه- "إذا كان ما تمّ التوصل إليه مبنيا على حقائق علمية وطبية، فإننا ندعو المجلس العلمي الأعلى إلى أن يبين لنا سبب عودة المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى الخوض في الموضوع، وأن يقدم لنا تبريرات لنطمئن". ولم يكتف سي الشيخي باستفسار المجلس العلمي، وإنما سارع  إلى إعطائه أوامر تلزمه بالتنفيذ كالتالي "يجب على المجلس العلمي الأعلى أن يدلي بدلوه، وأن يبيّن لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود". إن ما قام به سي الشيخي مخالف الظهير الشريف رقم  1.03.300 المؤرخ في 2 ربيع الأول 1435 (22 أبريل 2004)، والذي يحدد المهام المناطة بالمجلس العلمي الأعلى، ومنها:

 

ــ دراسة القضايا التي تعرضها عليه جلالتنا الشريفة (أمير المؤمنين جلالة الملك)؛

ــ إحالة طلبات الإفتاء في القضايا المعروضة عليه إلى الهيئة المكلفة بالإفتاء قصد دراستها وإصدار فتاوى في شأنها .

 

والظهير الذي أُحدِث بموجبه المجلس العلمي لا يجعل من مهامه "الاستجابة لاستفسارات وأوامر الحركات الدعوية أو الأحزاب السياسية أو الهيئات المدنية". كل المطلوب من هذه الهيئات أن تستفتي المجلس في قضية ما، أي تطلب رأيه الشرعي فيها. لكن الذي فعله السيد الشيخي باسم حركته تجاوزٌ للظهير وتدخلٌ في اختصاصات المجلس العلمي، بل إخضاعه لرقابة الحركة ووصايتها. والاعتداء على مهام المجلس العلمي هو اعتداء على اختصاصات إمارة المؤمنين. وليس غريبا هذا الذي فعله سي الشيخي، فقد سبق للريسوني، سنة 2003، أن شكك في أهلية الملك لتوليه إمارة المؤمنين، ما اضطره لتقديم استقالته من رئاسة الحركة. وكما تدخل رئيس الحركة في اختصاصات المجلس العلمي تدخل أيضا في مهام المجلس الوطني لحقوق الإنسان حين انتقد قراره توجيه مذكرة حول مشروع القانون الجنائي إلى وزارة العدل. ورئيس الحركة يريد بهذا الانتقاد أن يحدد للمجلس ما يمكن فعله وما يجب تركه؛ أي فرض وصاية ورقابة على المجلس ضدا على الظهير المحدث للمجلس والمهام التي يحددها لها. فالمجلس لم يقم إلا بما هو مطلوب منه مثلا في المادة 13 من الظهير التي تنص على: (يتولى المجلس بحث ودراسة النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل مع المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وبالقانون الدولي الإنساني التي صادقت عليها المملكة أو انضمت إليها... يقترح المجلس كل توصية يراها مناسبة في هذا الشأن ويرفعها إلى السلطات الحكومية المختصة). فالمذكرة التي رفعها المجلس إلى وزارة العدل تتضمن ملاحظاته حول مشروع القانون الجنائي وتوصياته حتى يكون ملائما للمواثيق والعهود الدولية التي صادق عليها المغرب انسجاما مع الدستور الذي ينص في ديباجته على سمو المواثيق الدولية على التشريعات الوطنية. وما تجاهله سي الشيخي هما أمران اثنان:

 

أولهما: أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان هيئة مستقلة عن باقي المؤسسات .

ثانيهما: أن المجلس العلمي الأعلى لا وصاية له على المجلس الوطني لحقوق الإنسان أو أي هيئة أخرى.

 

من هنا، على السي الشيخي وحركته أن يعلما أن القانون المنظم والمحدث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان يضمن له مناقشة التشريعات الوطنية وتقديم ملاحظاته وتوصياته بهدف ملاءمة القوانين المغربية مع المواثيق الدولية. كما عليهما أن يعلما أن مرجعية المجلس هي المرجعية العالمية لحقوق الإنسان وليس مرجعية حركة التوحيد والإصلاح حتى يكون منسجما معها فيسارع إلى منع وتحريم الإجهاض .

 

وبالمناسبة، أذكّر السي الشيخي بأن كل الفتاوى الفقهية حول الإجهاض هي فتاوى بشرية لم يرد فيها نص ديني صريح. وبالرجوع إلى موقف المذاهب الفقهية من الإجهاض، وباستثناء جزء من المذهب المالكي، فإن باقي المذاهب الفقهية تبيح الإجهاض منذ 14 قرنا. وعلى حركة التوحيد والإصلاح أن تعلم هذه الحقيقة وتشيعها بين مريديها حتى يبلعوا ألسنتهم ويكفوا عن الكذب على الله وعلى الشعب.