عزالدين الماحي : بتبني المادة 9 من مشروع المالية سنكون أمام ردة قانونية وحقوقية

عزالدين الماحي : بتبني المادة 9 من مشروع المالية سنكون أمام ردة قانونية وحقوقية عزالدين الماحي
يرى أن الدكتور عزالدين الماحي، مدير مجلة محاكمة، أن المادة 9 من مشروع قانون المالية 2020، ستفضي إلى المساس بأهمية وجود المحاكم الإدارية، بل وستؤدي إلى فقدان الثقة في القضاء، لاسيما القضاء الإداري:
يتحدث البعض عن مخاطر دستورية وسياسية يمكن أن تترتب عن المادة 9 من مشروع قانون المالية لسنة 2020 لاسيما في الجانب المتعلق بمنع الحجز على أموال وممتلكات الدولة. هل تتفق مع هذا الرأي؟
 في البداية، لابد من الإشارة إلى ملاحظتين: الأولى تتعلق بكون التنصيص على موضوع الحجز على ممتلكات الدولة في قانون المالية يبقى معيبا من الناحيتين الدستورية والقانونية. ذلك أنه بالرجوع إلى البنية اللغوية للفصل 75 من الدستور، يتضح بجلاء أن قانون المالية يصدر طبقا للشروط المنصوص عليها في قانون تنظيمي الذي يحدد طبيعة المعلومات والوثائق والمعطيات الضرورية لتعزيز المناقشة البرلمانية حول مشروع قانون المالية. وبالتبعية، فإنه وبالرجوع إلى مقتضيات المادة 6 من القانون التنظيمي للمالية رقم 130.13 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6370 وتاريخ 18 يونيو 2015، يتضح أنه لا يمكن أن تتضمن قوانين المالية إلا أحكاما تتعلق بالموارد والتكاليف أو تهدف إلى تحسين الشروط المتعلقة بتحصيل المداخيل ومراقبة استعمال الأموال العمومية. وعليه، فإن ما ضمن بالمادة 9 من مشروع قانون المالية لسنة 2020 ينصرف إلى إحداث مسطرة خاصة لتنفيذ الأحكام القضائية، مما يفضي إلى استنتاج هام مؤداه أن مقاربة تنفيذ الأحكام القضائية لا يدخل ضمن الاختصاص الحصري للقانون المالي، بل مجاله قانون المسطرة المدنية.
أما الملاحظة الثانية، فتتمثل في كون نفس المقتضيات سبق لقانون المالية لسنة 2017 أن تضمنها بموجب المادة 8 مكرر. وكان حليفها الحذف والإسقاط من قبل مجلس المستشارين، مما يجعلنا نطرح السؤال التالي: ما الجدوى من إعادة النقاش من جديد حول هذا الموضوع، وفي هذه الظرفية بالذات؟
وبالتالي، فإن تبني المادة 9 هاته على علتها يفضي إلى عدة مخاطر تتمثل في ما يلي:
-  إفراغ مقتضيات الفصل 126 من الدستور المغربي من محتواه، والذي نص من خلال الفقرة الأولى منه على أن الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع.
-  خرق مبدأ المساواة بين المتقاضين وبروز مظاهر الحيف والتمييز، فالدعاوى التي تقدم في مواجهة الأشخاص العاديين، تخضع لقواعد التنفيذ المضمنة بقانون المسطرة المدنية، في حين الدعاوى التي تقدم في مواجهة أشخاص القانون العام سيكون حليفها الخضوع لمقتضيات المادة 9 المومأ إليها أعلاه، في الوقت الذي تحصل الإدارة على ديونها بالسرعة وبالإجبار، وبالحجز المباشر على الأرصدة المالية ولنا في المنازعات الجبائية خير دليل على ذلك وبالتالي نكون أمام مفارقة غريبة في مجال التقاضي.
-  فقدان الثقة في القضاء، لاسيما القضاء الإداري الذي أبان في السنوات الأخيرة عن علو كعبه من حيث إحقاق الشرعية والمشروعية، ومن حيث تكريس مجموعة من القواعد والمبادئ. وأضحى يقلق بعض الجهات، وبالتالي فإن المادة 9 ستفرغ المحاكم الإدارية من محتواها والغاية القانونية والحقوقية التي تحكمت في إنشائها.
- تعقيد وضعية المقاولة المغربية في علاقتها مع الدولة والجماعات الترابية، وبالتالي التأثير على الاستثمار. والحال أن المغرب نظم مؤخرا المؤتمر الثاني للعدالة في مراكش واختار له عنوان «العدالة والاستثمار» وصدرت بشأنه العديد من التوصيات، فضلا على أن بعض المقاولات ومن أجل استخلاص مستحقاتها في علاقتها مع الدولة ستعمد على سلوك بعض الطرق غير القانونية، بدل اللجوء إلى القضاء لإيمانها بعدم الجدوى منه.
 كما قلت إن القضاء الإداري يشكل نقطة ضوء في العدالة، لكن البعض يؤاخذ قضاته، بأن أحكامهم تكون فيها نوع من المغالاة، مما ترهق المرفق العمومي ماليا، هل هذا صحيح؟
 سبق لي أن قلت لك إن المادة 9 ستفضي إلى المساس بأهمية وجود المحاكم الإدارية. هاته الأخيرة التي كرست مجموعة من القواعد والمبادئ، أذكر على سبيل المثال في مجال الاعتداء المادي، أن هذا الأخير هو واقعة مستمرة لا يطالها التقادم، وأنه لا يمكن الحديث عن المساهمة المجانية في دعاوى الاعتداء المادي، وأن التعويض يكون كاملا، ويتم تقويمه من تاريخ رفع مقال الدعوى، وأن هذا التعويض لا يخضع للضريبة على الأرباح العقارية، إلى غير ذلك من المبادئ. ومثل هذه القواعد تتماشى وقواعد العدالة والإنصاف طالما أن الاعتداء المادي في مجال الملكية العقارية يظل منقطع الصلة بالشرعية والمشروعية.
وارتباطا بسؤالك، فعلا ذهب البعض وعن مغالطة وهو بصدد تبريره للدفاع عن المادة 9 أن قضاة المحاكم الإدارية يغالون في منح التعويضات في هذا الشأن. والحق يقال إن أغلب دعاوى الملكية أو الاعتداء المادي تصدر بشأنها وقبل الفصل في الموضوع، أحكاما تمهيدية تقضي بإجراء خبرة، وأن الخبير هو الذي يحدد التعويض استنادا إلى عدة عناصر ونقط فنية حددت له في مهامه من قبل القاضي، و أن هذا الأخير حين يبت في التعويض يستند إلى تقرير الخبرة مستعملا سلطته التقديرية التي يجب أن تكون معللة.
والحال أن الواقع أثبت أن القاضي الإداري غالبا ما لا يأخذ بتقرير الخبرة على عواهنه، بل يتصرف في إطار ما يمليه عليه ضميره المهني، مستحضرا مبدأ التوازن بين المتقاضي (الإنصاف القانوني) والإدارة (حماية المال العام).
كما أن البعض ارتأى وهو بصدد تبنيه للمادة 9 في صيغتها الحالية إلى القول إن هناك تلاعبا وتواطؤا يحصل في هذا الشأن بين المتقاضين، فهذا القول لا يمكن مجاراته على إطلاقه، ذلك أنه إذا كانت هناك تلاعبات. فإنه يتعين مواجهتها بالقانون بدل المساس بحجية وقداسة الأحكام والقرارات القضائية التي تصدر باسم جلالة الملك وطبقا للقانون، فالتواطؤ إن كان، لا يجب تعميمه على جميع المتقاضين.
 يرى البعض في السجال حول المادة 9 من قبل الجمعيات المهنية القضائية، ونقابات المحامين فيه مساس بمبدأ الفصل بين السلط ما رأيك؟
هذا السجال ليس فيه مساس بمبدأ الفصل بين السلط بل يبقى عاديا ولا يندرج ضمن باب الضغط على السلطة التشريعية أو التغول، بل له دلالات متعددة ووجيهة فهؤلاء يملكون حرية التعبير أولا، وثانيا أنهم مواطنون بالرغم من نياشينهم، فضلا على أنهم مواطنين. وآية ذلك أن المدعي الذي يحصل على حكم في مواجهة الدولة أو الإدارة ويكون مآل هذا الحكم عدم التنفيذ. فإن المواطن لا يستحضر المادة 9 بحمولاتها، بل يرى أن القضاء لم ينصفه، وأنه المسؤول عن عدم تنفيذ ذلك الحكم الشيء الذي من شأنه أن يمس باستقلالية السلطة القضائية، نفس المعطى بالنسبة لرسالة الدفاع، حيث قد يرى المواطن أن محاميه لم يمكنه من حقه وبالتالي المساس بالمكانة الفضلى للمحاماة.
صفوة القول إن ما يقلقنا هو أن تكون الخلفيات التي تحكمت في صياغة المادة 9 من مشروع قانون المالية 2020 تتعلق بوجود ملفات إدارية ذات صلة بالعديد من رؤساء الجماعات الترابية، مثقلون بديون وتم المس بمصالحهم، في الوقت الذين كانوا قبل ذلك يعارضون بشدة مسألة عدم تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهة الإدارة، وأن تذرعهم اليوم بأن المادة 9 من شأنها المساس باستمرارية المرفق العام، هو قول لا يجاريه المنطق والواقع، على اعتبار أن ضمان استمرارية المرفق العام يبقى مرتبطا بالحكامة الرشيدة والراقية في التدبير، والتعامل بالجدية مع النزاعات التي تقام في مواجهة الدولة والجماعات الترابية لا من حيث المذكرات الجوابية ولا المذكرات التعقيبية، وكذا الوثائق المطلوبة سواء أثناء جلسات البحوث، فضلا عن احترام الشرعية والمشروعية في اتخاذ القرارات.