محسن بنزاكور: بروفيل النصاب والمحتال يتغير حسب طبيعة الفريسة ونوع القضية

محسن بنزاكور: بروفيل النصاب والمحتال يتغير حسب طبيعة الفريسة ونوع القضية محسن بنزاكور

ملف الشخص الظاهر في مقطع الفيديو، وهو يقوم بالنصب على فتاة والدتها رهن الاعتقال بمحيط المحكمة الزجرية لعين السبع بالدار البيضاء، ليس هو أول ملف يكشف جريمة النصب فغي ملف قضائي معروض على العدالة، وطبعا لن يكون آخر ملف. فحسب آخر الإحصائيات الصادرة عن النيابة العامة، وحسب مصادر من النيابة العامة، فقد تم تحريك المتابعة في حق 4952 متابعا بتهم انتحال الوظائف أو الصفات أو الأسماء، أي بمعدل 13 متابعا يوميا، ضمن 4151 قضية، برسم سنة 2018، وذلك ضمن مجموع عام لجرائم التزوير والتزييف والانتحال بلغت 10749 متابعا ضمن نفس السنة.

وعليه، فإن قضايا النصب في ملفات مرتبطة بمصالح المواطنين، كثيرة، وخصوصا فيما يتعلق بالقضاء، ورغم غياب إحصائيات مضبوطة حول هذا الموضوع من النصب في شقه المرتبط بالعدالة، فإن مؤشر الثقة المنخفض للمواطنين في سلطتهم القضائية، يجعل الصدمات مخففة عند ضبط هذا الشخص أو ذاك وهو يقوم بالنصب على متقاضي، أو موظف في المحكمة يستغل صفته لكي يحتال على متقاضي آخر..

محسن بنزاكور، الباحث المتخصص في علم النفس الاجتماعي يسلط ضوء التحليل النفسي والاجتماعي على شخصية النصاب في هذا الحوار...

 

+ كيف يمكن وصف التركيبة النفسية للنصاب، هل هو إنسان ذكي، أم إنه منحرف نفسيا واجتماعيا؟

- سؤالك ينم عن خلط، فالمنحرف لا يعني أنه ليس ذكيا، فأكبر المجرمين في العالم هم أكثر ذكاء من الأشخاص العاديين، فقط هناك استغلال للذكاء على حساب الضحايا، بمعنى أن الذي يغيب في التعامل هو البعد الأخلاقي والقيمي. فالذكاء معناه هو القدرة على بناء حيل واساليب لا يستطيع الآخر أن يفهمها أو يستشعرها، وحتى إذا استشعرها يكون بعد فوات الأوان.

بالعودة إلى تعريف النصاب، وآخر ظهور لهذا الصنف بشكل علني هو ذاك الشخص الظاهر صوتا وصورة في فيديو النصب على خلفية قضية رائجة أمام المحكمة الزجرية لعين السبع.. فأمثال هؤلاء يلعبون على أساليب لغوية وجهاز مفاهيمي مرتبط بطبيعة عملية النصب، يسترسلون في الحديث يعطل عند المتلقي حاسة النقد ويغيبها، فيحيط النصاب نفسه بهالة من الانبهار والإعجاب، مستعملا خطابا كلاميا منتقى بعناية، وأحيانا يلعب النصاب على وتر الخوف.. مثلا يقع الإنسان في مشكل مرتبط بالعمل او بخدمة من الخدمات العمومية، فيكون مضطرا للوصول بسرعة إلى النتيجة، ويخشى من امتداد المشكل الذي يعيش فيه، ويحاول بسرعة تسويته، فيسعى للتشبث بكل وسيلة توصله لبر الأمان. وهنا يظهر ذلك النصاب الذي يكون مطلعا على حيثيات القضية، وعارفا بعواقبها، ومدركا لنفسية المعني بالأمر، فيتقدم أمامه بأنه وسيلة نجاة، من خلال تقديم وعود تكون أحيانا فوق المعتاد، ويستغل النصاب سذاجة وحاجة الضحية للحل في أسرع وقت بأخف الأضرار، وفي مسار المفاوضات، قد يعي الضحية بأنه امام نصاب خطير، ويحاول الانسحاب لكنه يجد نفسه قد تورط بطريقة أو بأخرى مع هذا النصاب الذي يستغل خوفه ويدفعه لإتمام الصفقة.

صورة أخرى، هي عندما يكون الشخص طامعا في تحقيق منفعة ويجد نفسه أمام نصاب كذاب، والمثل المغربي يقول: "الطماع كيقضي عليه الكذاب"، وبالتالي فهذه صور النصب، والنصاب يكون دارسا لكل حالة على حدة، ويتعامل وفق الظروف النفسية لكل ضحية..

 

+ هل يمكن الحديث عن المظاهر الخارجية للنصاب والمحتال؟

- هناك استغلال للمظهر وايضا للصفة، وهذه من الأساليب الإخراجية لكل عملية، بحيث تم استغلال منصب، سواء باسم القصر الملكي أو مستشار في جماعة ترابية؛ وهنا يفرض ارتداء زي مناسب لكل صفة، وأحيانا لا نكون أمام انتحال صفة، بل استغلال لمنصب وظيفي، قاضي، عسكري، مدير ديوان.. كل هذا في استغلال مقيت للحاجة والخوف، كما أن هناك من يستغل المعطى الديني، فتجده يحرص على ارتداء هندام الفقيه الورع، ليسقط ضحاياه في شبكته، وهناك من يستغل الجانب العاطفي عند ضحاياه، ويجعلهم قابلين للاستجابة بشكل مطلق، مع القول إن نفس أساليب النصب تستعمل في وصلات الإشهار، من حيث يعمد الفاعلون جميعا إلى تقديم المنتج أو النتيجة على شكل مخالف للواقع، مع إدراك الضحايا أو المتلقي ان ما يدعيه هؤلاء غير صحيح؛ لكن أحيانا يكون الإنسان في حالة استبلاد فكري، وإلا كيف يمكن تصديق منتوج إشهاري عن مشروب غازي يسبب أمراضا في الجهاز الهضمي ويقدم صوتا وصورة بأنه منعش وصحي.. فيكون المتلقي أمام غلبة الشق المتعلق بالميول أكثر من الشق المتعلق بالتعقل والنقد.. نفس الشيء بالنصب لضحايا النصب، يدركون بأن تعاملهم مع هؤلاء النصابة هو مجرم قانونا، والنتيجة غير مؤكدة، ومع ذلك يتعاملون معهم ولو بنسبة أمل ضعيفة أمام ما يبديه النصاب من حلاوة اللسان واختيار للألفاظ وارتداء للأزياء، وتوهيما للآخر بأن له علاقات افقية وعمودية في جميع الإدارات العمومية..

 

+ هل يكون الضحية أمام حالة من اللاوعي وهو يتعامل مع هؤلاء الفئة من المجرمين؟

- غالبا، لا يكون الانتباه لشخص النصاب بقدر ما يكون المطلب هو تحقيق النتيجة بالدرجة الأولى، وكما قلت سابقا، الاهتمام يكون منصبا على الخروج من الورطة أو تحقيق هدف معين، بحث عن عمل، حكم بالبراءة، تحديد موعد طبي في أقرب وقت، الحصول على صفقة عمومية.. وهنا يبرز ذكاء النصاب وكما نقول بالدارجة "كيزرب عليه"، لأنه يدرك أن الحاجة تكون إلى الاستعانة به كلما مر الوقت ولم تتحقق النتيجة.

أمر آخر، هو أننا لا نكون دائما أمام فاعل واحد، أي نصاب لوحده، بل نجد أنفسنا أمام شبكة من الأفراد يتقاسمون الأدوار فيما بينهم، حيث يوهم الضحية أن الواقف أمامه له شبكة علائقية مع مراكز اتخاذ القرار، وفق النتيجة التي يريدها. لهذا نجد أن أغلب العقول المدبرة لعمليات النصب والاحتيال يتقلدون مناصب وظيفية عالية، وحتى لا يظهروا في الصورة، يوظفون شبكة من "السماسرية"، تحدد سلفا نسبة عمولاتهم من كل صفقة، وبالتالي يكون هو الرابح دون أن يورط نفسه في الشبهات.. ولهذا نرى سقوط عدد من الشخصيات التي تقدم نفسها على أنها مخلصة في عملها وهي في الخفاء تدير شبكات إجرامية في النصب والاحتيال، وبالتالي نحن أمام أصناف بشرية في هذه الجرائم المعاقب عليها قانونا. من هنا تشدد المشرع المغربي في معاقبة الموظفين العموميين في جرائم التزوير والنصب والاحتيال، بالنظر لكونهم موكول لهم تقديم خدمة عمومية للمرتفقين.

 

+ عندما نتحدث عن ذكاء النصاب، هل نحن أمام بلادة الضحية؟

- ليس بلادة بقدر ما هي استبلاد، بدليل أن ضحايا كثر سقطوا في شباك محترفي النصب، وهم في مراكز اجتماعية مهمة، وبالتالي لم يعد دائما الضحية هو ذاك الأمي أو الساذج أو الطاعن في السن.. لأن كل فئة من المجرمين تطور قدراتها من أجل الإيقاع بضحاياها، وتستغل الحاجة عند الوزير والغفير كما يقال. وعليه فإن استعملنا وصف البليد نكون أمام حكم قيمة خاطئ، والأفضل القول إن الضحايا تم استبلادهم بأساليب مؤثرة، عطلت عندهم حاسة النقد، من خلال استخدام النصاب لعبارات، "ما ضيعش الفرصة، النتيجة مضمونة، بلا طلوع بلا هبوط في المحاكم أو الإدارات أو المستشفيات أو القنصليات، هاذي هي الهمزة المناسبة، مستقبلك بين يديك.."، وبالتالي فهم يراهنون على الزمن والسرعة في اتخاذ الضحية للقرار بمجاراتهم في عملياتهم، وذلك تحسبا لأي لحظة يستفيق فيها الضحية. وبالرجوع للنقطة المتعلقة بدراسة نفسيات الضحايا وأوضاعهم الاجتماعية ودرجة الاحتياج، يستغلون ذلك للتهديد، عندما يخاطبونهم بالقول: "دابا اللي عطا الله اعطاه، خاصنا نكملو هاذ البيعة والشرية حتى اللأخير، لأن إذا تراجعنا عليها غادي نمشيوا كاملين، وانت دبر راسك.."، فيجد الضحية أنه أصبح شريكا في الجريمة أمام التهديد المباشر للنصاب، وهذا يبرز بشكل واضح في جرائم النصب المرتبطة بالأنترنيت، وكم من شخص وجد نفسه محاطا بتهم تتعلق بتبييض الأموال أو الاتجار في المخدرات أو قضايا الإرهاب، نتيجة استغلال له من قبل النصاب..

 

+ أغلب عمليات النصب والاحتيال وانتحال صفة تكون مرتبطة بمرفق من المرافق العامة، قضاء، صحة، تشغيل، سكن، تعليم.. في نظرك هل تفشي هذه الجرائم هو نتيجة لضعف ثقة المرتفقين في هذه المرافق؟

- سابقا تحدثنا عن العوامل الذاتية والشخصية سواء للنصاب أو الضحية، ما طرحته في سؤالك يندرج في العوامل الموضوعية لجرائم النصب والاحتيال وانتحال صفة، وهو ما يزيد من نجاح المحتال في مخططاته الإجرامية واتساع ظاهرة الضحايا.. أولا هناك الفقر، وأحيانا فبحكم الحاجة يلجأ الضحية لخدمات خارج القانون ولو أنها تكون مؤدى عنها، لكنها بالنسبة له منتجة زمنيا؛ العامل الثاني، يكون المعني بالأمر مواجها بعراقيل إدارية للوصول إلى مبتغاه سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة لدى إدارات عمومية او محاكم.. وهنا ينبغي مراجعة مبدأ تقريب الإدارة من المواطن، فبالإضافة إلى القرب اللوجيستيكي لهذه المؤسسات جغرافيا، ينبغي أن نكون أمام قرب بشري بالدرجة الأولى، وهذا مطروح بحدة لدى المستثمرين، فأمام اختلال الولوج للعدالة أو المرفق العام، يضطر البعض لاختصار الإجراءات الإدارية ربحا للوقت وتحقيقا للغاية عن طريق الاستعانة بخدمات مباشرة لموظف عمومي خارج المسطرة القانونية، أو عن طريق شخص وسيط في العملية أو الملف من خارج الإدارة..

 

+ ما هي الآثار النفسية والاجتماعية التي تلحقها هذه الجرائم بالنسبة للضحايا والمجتمع ككل؟

- ارتباطا بسؤالك السابق، فانتشار وتفشي جرائم النصب والاحتيال وانتحال صفة مؤشر على فقدان أو لنقل ضعف الثقة في المرفق العام بغض النظر عن القطاع، بالنسبة للأثر على الضحية فالأمر أشبه بحادثة سير، "اللي عطا الله اعطاه"، وهنا ينبغي الاقتداء من هذا الخطأ في مستقبل الأيام، وأخذ العبرة مما جرى بالنسبة للآخرين، ما دام أن المحتال والنصاب يحرص دائما على محو آثار الجريمة، فتجده محتاطا في اختيار ضحاياه، ومتحفظا على استعمال وسائل الاتصال، معتمدا على مفاهيم ومصطلحات مرموزة، ولولا قيام الفتاتين بتصوير عملية النصب في القضية المعروضة على القضاء، لما كان هناك دليل مادي معمول به في قيام المتابعة الجنائية، وهناك العديد من الضحايا يعوزهم الدليل والبرهان.

على مستوى العواقب الوخيمة لهذه الجرائم على المجتمع، نجد فقدان الثقة في الوظيفة العمومية، سواء كانت مرفق العدالة أو الصحة او الشغل أو التدبير الجماعي.. ولو فقدت الثقة لانعكس ذلك على مستوى معدل الاستثمار، أمر آخر خطير ضمن العواقب هو تشجيع المحتالين ومنتحلي الصفات على تطوير قدراتهم الإجرامية وتوسيع شبكة إيقاعهم بالضحايا، وهم في لهفة لتحقيق الربح السريع غير المشروع. وهنا يبرز دور الردع والزجر لوضع حد لتفشي هذه الجرائم، وكل توسع لها هو سبة في حق المؤسسات الأمن والقضائية الموكول لها حفظ أمن المواطن وتعزيزه والحفاظ على ممتلكاته..

 

+ لكن ألا ترى أن نجاح بعض المحتالين في تحقيق نتائج بتواطؤ مع بعض منعدمي الضمير في الإدارات العمومية بشجع على توسيع نشاطهم الإجرامي؟

- القول بنجاح المحتالين هو تشجيع للجوء إليهم، ينبغي أخذ الخيطة والحذر في هذه الأحكام القيمية المبنية على غير اساس واقعي ومضبوط، بمعنى هل نتوفر على إحصائيات تثبت لنا نجاح وساطة خارج النسق الوظيفي المعمول به؟ وما هي نسبة نجاح هؤلاء المحتالين ومنتحلي الصفات في نشاطهم الإجرامي؟ وهنا يبرز دور المصالح المختصة في العدالة كي تصدر أرقاما ومؤشرات تثبت فشل هؤلاء المجرمون في بلوغ مساعيهم، وتبيان أن الطريق الصحيح لتحقيق المصالح المشروعة هو المسالك القانونية، وأي شخص تعرض للشطط أو لم يرضه حكم قضائي أو إجراء إداري فهناك طرق الطعن والتعرض، وفي غياب إدارة ديمقراطية وشفافة بمواردها البشرية، فمن الطبيعي أن يبرز مثل هؤلاء المجرمين الذين يبنون سعادتهم على ظهور ضحاياهم.