لحسن عدنان: افرض مثلا يا "بهحت الدين" أنك سلمت على "بوتين"

لحسن عدنان: افرض مثلا يا "بهحت الدين" أنك سلمت على "بوتين" لحسن عدنان

استهلال خارج السياق:

مما يؤثر عن عمر المختار قوله :

"كـُــــن عزيزاً... وإياك أن تنحني مهما كان الأمر ضرورياً فربما لا تأتيك الفرصة كي ترفع رأسك مرةً أخرى"...

قالها في شموخ قبل أن يولد "بوتين" نفسه ..

 

تنبيه:

كل تشابه في الأسماء والأحداث هو مجرد صدفة محضة .

 

صلب الموضوع:

يُقال له في لغة العجم "بوتيــن"، لأن العجم يرطَنون بالأسماء (رَطَنَ في كَلامِهِ: تَكَلَّمَ لُغَةً غَيْرَ مَفْهومَةٍ)، وخاصة أسماء الأعلام. واختلفوا أيضا في هذا الأمر، هل هو "بـُّــوتين" بتاء مشددة (POUTINE) أو بوتين بتاء مخففة (BOUTINE) . لكن يبقى كله مما يجري على ألسنة العجم. وهو مما لا يمكن الرجوع إليه حين التقعيد والتأسيس للنطق الصحيح للأسماء حسب ما يرضي سيبويه وأبا الأسود الدؤلي.

والصحيح عندنا، وعند باقي القبائل الروسية والعربية، العاربة والمستعربة والمستغربة ، أنه " أبوتين" أو "أبوطين". فإن نُسب إلى التين فلما لهذا الأخير من فوائد طبية وغذائية لا تحصى، ولأنه مذكور في القرآن. وإن تمت نسبته إلى الطين فهو أكثر دلالة. لأن أصل الإنسان طين لازب. وأبوتين وإن رفض هذا الاسم الأول فلن يرفض أنه فعلا أبوطين.

 

و"بهجت"، يقال أنه دارس لعلم النفوس والنفسوات، كان عليه أن يعرف هذا ويستوعبه لكي لا يسقط في خطيئة الانحناء و"التبنديق" مجانا.

 

وسواء أطلقنا عليه "أباتين" أو "أباطين"، فهو مما يسهل نطقه ويتيسر استيعابه. وليس من الفصاحة في شيء لـــيُّ أعناق الكلمات كي لا يطابق الاسم المسمى أو لا يوافق الدليل المدلول. وهنا ينبغي الحذر، فحرف الدال (نكرر ونؤكد على ذلك) بدون نقطة. والمدلول يعني اصطلاحا: (الذي يلزم من العلم به العلم بشيء آخر، بفتح فسكون) أي أنك إذا رأيت الأول يدلك دلالة لا لبس فيها على الثاني.

 

والقاعدة البديهية التي يمكن أن نخلص لها في عجالة، أنك من الآن، أو إن شئنا من يوم الانحناء الكبير، إذا رأيـــــــت "بهجت" ضاحكا تبادر إلى ذهنك "أبوتين = أبوطين" صارما بملامح وجهه الحديدية لا يضحك أو لا يبتسم إلا ثواني معدودة. وإذا رأيت "أبا تين = أباطين" واقفا.. شامخا كجبال القوقاز، قفز إلى ذهنك "بهجت" منحنيا.. خانعا.. أو يسير مهرولا بابتسامته الساذجة المفضوحة.

 

لكن حذار أن تسقط في فخ اللغة، كأن تقول بدل كلمة مدلول، كلمات أخرى تشبهها في النطق والجرس الموسيقي من قبيل: مذلول (بدال معجمة) فالأصل ألا نقلد العجم ولا نضيف ولو نقطة واحدة لكي لا نحرف الكلام عن مواضعه. وأيضا لا ينبغي خلط مدلول بــ "معلول".

"بهجت" أصلا علـــة فكيف يكون معلولا؟

 

ومما يشبهه نطقا، وإن كنا لا نقول به، كلمة مخبول أي به خبل، والخبل مَسٌّ مِنَ الجُنُونِ. وقريب منه "مهبول" وهو من الأوصاف التي يقول بها المغاربة. لكن في اللغة العربية الفصحى نقول رَجُلٌ أهْبَلُ أي فَاقِدُ العَقْلِ، أحْمَقُ.

 

ودائما في إطار الفهم المغربي والخصوصية المغربية، لا ينبغي الخلط لغويا بين مدلول ومحلول. لقد تداول بعض "البانضية"، من باب إسقاط الوصف على الموصوف، كلمة: "محلول". أي ذلك المسترخي الذي لا تقوى عظام هيكله العظمي على حمله. فهو يسير منحنيا، ويصعب عليه أن يقف مستقيما متوازنا أمام "أبي تين = أبي طين" وقفة رجل أمام رجل، أو مسؤول أمام مسؤول.. ونحن نعارضهم، ونبقى في حل تام من "محلولهم".

 

والسؤال هل "أبوتين = أبوطين" فعلا قوي لدرجة يُرهب من يمدون أيديهم للسلام عليه؟

للإجابة عن هذا السؤال/ الإشكالية وجب أن نتعرف عن قرب عن شخصية "بهجت". ففي هذا الصدد تتضارب التحليلات والتقييمات حول شخصه. هناك من يقول أن "بهجت" له نصيب من اسمه. حيث طابع "البهجة" يسم شخصيته، وله قدرة على توزيع الابتسامات خاصة بلون الصفرة الباهت. وأحيانا يلجأ هو نفسه لخلق جو البهجة. فمما يؤثر عليه أنه قال مرة: (لا أعرف لماذا لا يتفاءل المغاربة. أنا متفائل جدا. والمغرب أحسن من فرنسا. ومعدل نمو المغرب سيفوق كل ما هو معروف في أوروبا وإفريقيا ).

 

وأضاف "بهجت" في بهجة وابتهاج: "وأؤكد لمن يشك في تفاؤلي أن النظريات العلمية تفيد أنك إذا حلبت البقرة يخرج من ضرعها الحليب، وإذا "بركت على الساروت" يسطع الضوء كمصباح علاء الدين العجيب، وإذا فتحت "الروبيني" يرتفع الصبيب، وليس البعيد كالقريب، وإذا جففت العنب يصبح كالزبيب، ولذلك فالبقرة دائما ضاحكة لأنها تذر حليبا كثيرا، ولا يعرف مثل هذه النعم إلا من ينسون حكاية الزبيب، ويأكلون أو بالأحرى يشربون عصير العنب أو ما يمكن تسميته الكحول أو المشروبات الروحية. فهذه المشروبات التي كنا نحاربها، والكلام دائما لـ "بهجت" بعيدا عن "أبي طين=أبي تين". عندما كنا نستعمل  الدين، تفاجأنا أنها هي التي "تبعث" الروح في الميزانية وأنها مصدر ثورة ثمين".

 

لكن افرض يا "بهجت" أن البقر تشابه علينا، وأننا أكثرنا من شرب العنب عصيرا ومعصورا.. ظهرا أو عصرا. ثم دارت بيننا الأقداح فلعبت برؤوسنا  الراح، هل يمكن الوقوف أمام "أبي تين" بصلابة وقوة ويقين؟؟

 

افرض يا بهجت مثلا أنك استوعبت الدرس واستخلصت العبرة مما قاله المواطنون والمتتبعون والمختصون، ثم قابلت مرة ثانية "أباتين" = "أباطين"، داخل أو خارج الكرملين. هل تنسى "مفعول عصير العنب" وتعود إلى أمجاد الدين واليقين؟؟

 

عفوا يا بهجت ..

لا تفترض شيئا... فقد تبقى مجرد افتراضات خارج السياق..

تيقن أنك لا تمثل نفسك.. بل تمثل الملاييين... تمثل مغرب التاريخ.. والجغرافيا... والبطولات.. والأمجاد.. والنخوة.. والشهامة.. والرجولة.. والفروسية... وكل معاني القوة والتمكين ..

 

ومادام الأمر على هذه الحال، فإننا نهمس في أذنك: "على الأقل، مثلنا خير تمثيل".

لا تمثل لنا... فأصلا أنت لست في موقع الكوميديا والتمثيل.

سئمنا التمثيل... مللنا وجوه التمثيل.. تعبنا من سياسات التمثيل.