مصطفى المنوزي: حذار من عملية الامتصاص بعلة عدم النضج المجتمعي

مصطفى المنوزي: حذار من عملية الامتصاص بعلة عدم النضج المجتمعي مصطفى المنوزي

هناك خطاب غير مؤكد الغاية يروج إلى أن المحافظين انهزموا عالميا، بدليل الحرب الأهلية الجارية هنا وهناك، ومع ذلك هناك من يراهن على يقينية فوز اشباه الليبراليين. والحال أن ذلك لا يعني بالضرورة نهاية للإسلام السياسي "المعتدل" كمنافس انتخابي شرس، ولا يعني  بالتبعية نهاية  الوهابية أو الإرهاب، مما يستدعي عدم التفريط في حلقات الوساطة الاعتدالية، مع شرط تعزيز مطلب فصل الدين والاقتصاد عن السياسة، وهي إحدى  الضمانات، كتأمين سياسي مؤقت وعابر، للتفاعل ايجابيا مع عروض الدولة "المغرية "  أو المغرضة حتى .

 

من جهة ثانية سؤال تراجع الثقة في المؤسسات وفشل الديموقراطية التمثلية حق أريد به باطل، فالهدف الخفي منه هو إذكاء العداء للانتماء الحزبي، ومحاولة لتزكية حقيقة إعلامية أن الوطن في حاجة إلى موحد للأمة فوق الطبقات، وحكم فوق الصراع. والحال أن الاصطفاف ضروري لطبيعة الصراع الاجتماعي والاقتصادي، ولا يمكن أن نتصور الحياد المطلق في الفضاء العمومي، لأن التناقضات في جوهرها تناحرية وثانوية؛ غير أن موازين القوى فرضت الاحتكام إلى تسويات وتوافقات، تؤجل حل التناقض بقاعدة التدبير السلمي، وهي أهم قواعد اللعب السياسية، إلى جانب صناديق الاقتراع في أفق ديموقراطية مفترضة كطموح ومحفز لتلك اللعبة، مما يستدعي  تجاوز سياسة الأمر الواقع التي تبرر رفض التحول الحداثي بعلة أن تضخم الحريات العامة والاساسية، والفردية على الخصوص من شأنه إحراج إمارة المؤمنين، كما يوحي وزير حقوق الإنسان، والذي يخشى، في ضوء الصفقة المفترض إبرامها في سياق فك عقدة "محاكمة الإجهاض"، أن تؤثر على العملية التشريعية، بالنظر إلى أن "العلاقة مع البرلمان" تم استغراقها من قبل وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان، الشيء الذي يوحي بأن العقل التشريعي سيخضع للتوجس الأمني، والذي هو في عمقه سيادي بامتياز، وبذلك فالحوار القانوني سيكون صعبا، حيث لا يمكن الرهان على فرق برلمانية يطوقها الهاجس الانتخابي وثقافة تسجيل المواقف، كما لا يمكن الرهان على حركة "حقوقية" يتقاذفها حماس غير منضبط، بنفس قدر شتات المقاربات.

 

من هناة وجب تجديد الدعوة إلى ضرورة رد الاعتبار إلى مطلب مدنية الدولة وتحديث المؤسسات باعتبار أن المدخل هو فصل السياسة عن الدين، وحياد إمارة المؤمنين عن الخوض في التشريع الوضعي، في ظل توسع مجال القانون لصالح المؤسسة البرلمانية، وبذلك نكون في الطريق الصحيح نحو جوهر المفهوم الحقيقي للملكية البرلمانية، على الأقل من زاوية تقليص هيمنة الملكية التنفيذية، في انتظار إنضاج شروط النظام الديموقراطي.