يعاني المجتمع المغربي من فوارق طبقية ومجالية خطيرة تدفع بفئات اجتماعية عريضة نحو الإقصاء والتهميش في المدن والبوادي على السواء. بحيث أصبح الحقل الاجتماعي المغربي يعرف ميزا وحيفا لا نظير له بين مكونات المجتمع الواحد. فمن جهة هناك التحالف الطبقي السائد الذي يستفيد من جميع أشكال الريع و الامتيازات الاقتصادية و الإعفاء من الضريبة على الثروة والإعفاءات الضريبية والتحايل على القانون مع الاستفادة من المناصب السياسية والإدارية لخدمة مصالحهم الخاصة من تعويضات وامتيازات وتقاعد خيالي بدون المساهمة المادية في هدا التقاعد.بالإضافة إلى الصفقات المربحة في عالم الأعمال لبورجوازية تفتقد لقيم المواطنة وتتعامل مع المرفق العام بمنطق إقصائي. فالمال العام أصبح نعيما يستفيد منه السياسيون الفاسدون على جميع المستويات ودلك يتضح بجلاء في تقارير المجلس الأعلى للحسابات.
ومن جهة أخرى تفرض سياسة الدولة جميع أشكال التقشف والإقصاء والتهميش على باقي الفئات الاجتماعية والتي تشكل عامة الشعب بحيث لم تسلم حتى الطبقة المتوسطة من جحيم هده السياسة الطبقية الحارقة لجيوب المواطنين بمختلف أطيافهم و ضرب قدراتهم الشرائية التي انهارت أمام تجميد الأجور لسنوات بل التحايل لمزيد من الاقتطاعات المتعلقة بالتقاعد والدي اثبت التحقيق للجنة تقصي الحقائق عدم قانونيته. كما فرض التحالف الحكومي التعاقد في قطاع التعليم الذي يعتبر قطاعا استراتيجيا ضاربة عرض الحائط الاستقرار النفسي والمادي لرجل التعليم الذي يعتبر فاعلا أساسيا في المنظومة التعليمية.
إن عقلية التدبير السياسي و الإداري المغربي ينطبق عليها التصنيف الذي قام به ماكس فيبر حين تحدث عن نوع من السياسيين الدين يمتهنون العمل السياسي خدمة لمصالحهم الخاصة بحثا عن الثروة والاغتناء وليس لخدمة المصلحة العامة. وهدا بالضبط ما نلاحظه حين نقوم بدراسة الطبقة السياسية المغربية مند الاستقلال مع بعض الاستثناءات لرجال شكلوا الاستثناء نظرا لنزاهتهم وتفانيهم في خدمة الصالح العام بحيث سرعان ما تم إبعادهم عن تسيير الشأن السياسي بمختلف أطيافهم من طرف المخزن.
إن معالجة الفوارق الطبقية يقتضي معالجة الأسباب التي أدت إلى إقصاء فئات عريضة من المجتمع من التنمية ومنها غياب الديمقراطية بتجميع السلط في يد واحدة. يقول مونتسكيو في كتابه "روح القوانين": "يوجدُ في كلِّ دولة ثلاثة أنواع للسلطات، وهي السلطة التشريعيّة، وسلطة تنفيذ الأمور الخاضعة لحقوق الأمم، وسلطة تنفيذ الأمور الخاضعة للحقوق المدنية (القضائيّة). فلا تكون الحرّية مُطلقاً إذا ما اجتمعت السلطة التشريعيّة، والسلطة التنفيذيّة في شخصٍ واحِد، أو في هيئة حاكمة واحدة... وبذلك تنشأ السلطاتُ المختلفة داخل الدولة، بشكلٍ تحدُّ الواحدةُ منها الأُخرى، وبحيث لا تستطيعُ أيُّ واحدةٍ منها أن تنفردَ، أو تقومَ بشيءٍ على حِدَة." إن تنوّعَ آلياتِ المنع والإقرار بين مختلف السلطات، هي وسيلة الحرّية السياسيّة، وأداتها الرئيسة لدى مونتسكيو بحيث أكد على ضرورة فصل السلط لتحقيق الديمقراطية.
إن الإرادة السياسية في التغيير يصنعها الشعب بتعبيراته الحزبية الحقيقية المعبرة عن مطالبه الاجتماعية والسياسية. لكن هده الأخيرة أصبحت تعاني من عجز شامل لافتقادها لنخب ديمقراطية جديدة تستمد مصداقيتها من قواعدها وقادرة على التاطير وطرح البدائل المناسبة في صراعها مع النقيض الطبقي المخزني وحلفائه. لدلك أصبح الفضاء العمومي المعارض فضاء للتعبير عن الإرادة والفعل الاحتجاجي المطلبي يفترض وجود محاورا حكيما ومسؤولا قادرا على الإنصات وتفهم المطالب الاجتماعية المشروعة وتحقيقها لإنقاذ المجتمع من الإحباط وانسداد الأفق وبناء مستقبل أفضل. وما دون ذلك فالعالم سيسير نحو احتجاجات اجتماعية غير مسبوقة للمطالبة بالتغيير وانتزاع الحقوق في ظل نظام رأسمالي متوحش ومعولم يكرس الفوارق الطبقية والظلم الاجتماعي.
إذا بالديمقراطية يمكننا بناء دولة الحق والقانون وبناء المشروع التنموي الذي سيمكن من إخراج الفئات الاجتماعية العريضة من الفقر والإقصاء والتهميش في المدن والبوادي بتأهيل المرافق العامة كالتعليم والصحة والسكن والتشغيل وهدا يفترض إعطاء الأولوية للاقتصاد الوطني وتطويره وجعله قادرا على إنتاج الثروة والمنافسة وحمايته من الفساد والمفسدين.