فيلم "الجوكر" مرآة "الشرّ" التي نرى فيها وجهنا الآخر الدموي!!

فيلم "الجوكر" مرآة "الشرّ" التي نرى فيها وجهنا الآخر الدموي!! الجوكر حمولة "الشر الفطري"

فيلم "الجوكر" التقت فيه كل بهارات الإبداع، انطلاقا من السيناريو ومرورا بالتشخيص وانتهاء بالإخراج. "جريمة" فنية مكتملة الأركان استطاع فيها المخرج الأمريكي "تود فيليبس" أن يعكس وجهنا "المظلم" و"السوداوي" وحمولة الشرّ "الفطري" الذي يولد معنا. "الشرّ" يشبه جنينا لقيطا نرفض الاعتراف به، نرميه في سلة قمامة بالرغم من أنه من صلبنا والجزء المظلم من إنسانيتنا. تود فيليبس سلط كشافات الضوء على هذا الجزء "القاتم" من شخصية "الجوكر"، وهو من ألدّ أعداء "باطمان" وأكثرهم تعطشا للدّماء الرجل الخارق ومنقذ مدينة "غوثام" من اللّصوص والمجرمين والخارجين عن القانون. لكن المخرج كان ذكيا وهو يخلخل كل هذه المسلّمات، ويقدم رواية أخرى للأحداث، ويكسر الجانب الوردي من شخصية "الوطواط" أو "بروس واين" الذي كان والده "توماس واين" من المساهمين في زراعة بذور الشر في شخصية "الجوكر". وحتى يحشد المخرج التعاطف الكبير مع شخصية "الجوكر" الشريرة في الأفلام التقليدية لشركة الكوميكس "DC" لم يقم بقتل "توماس واين" في المشهد الوحيد الذي جمعهما في الفيلم، بالرغم من العنف الذي مارسه عليه في طفولته، وحتى في لقائه بـ "باطمان" وهو ما زال طفلا كان اللقاء "وديعا" ظهر فيه "الجوكر" مجرد "مهرّج".

 

نوع آخر من الكتابة والرؤية السينمائية لشخصية شريرة من أفلام "الكوميكس" التي كانت البطولة للأبطال الخارقين الذين يدافعون عن الخير. في هذا الفيلم البطل هو "الجوكر"، وأحداث لم تظهر فيها خوارق "باطمان" وبطولاته، بل كان العنف والدماء والقتل والسواد من البداية إلى النهاية، لكنه عنف بالرغم من دمويته كان عنفا "ناعما" أجبرنا المخرج على التعاطف معه.

 

"خواكين فينيكس" الذي جسد شخصية "الجوكر" المركبة المهزوزة نفسيا والمصابة بجنون "الضحك المرضي"، كان الأفضل من بين الممثلين الذين تقمّصوا شخصية "الجوكر" عبر مر التاريخ، ومعظم نقاد السينما رشحوه لجائزة أوسكار أحسن ممثل من الآن بفضل أدائه الخارق في نقل الأحاسيس المتناقضة لشخصية "الجوكر"، وبراعته في الانتقال من خلال تعابير وجهه من حالات الخير إلى الشر. يكفي أن "خواكين" تنازل عن 23 كلغ من وزنه من أجل "الجوكر". "خواكين" وهو يلبس شخصية "الجوكر" بعوالمها المظلمة الغارقة في الدراما السوداء كان يحاكي سيرة الألم التي عاشها في حياته وحادثة مقتل أخيه الممثل الهوليودي وملهمه "ريفر فينيكس" وهو في قمة عطائه. من هنا أيّ قصة نجاح تكون وراءها مأساة.. ومن يقرأ سيرة "خواكين فينيكس" الدرامية لا يستغرب لهذا الأداء البارع في فيلم "الجوكر".

 

شركة "وارنر بروس" المنتجة للفيلم حصدت أرباحا غير متوقعة في شباك التذاكر حول العالم في أقل من أسبوع منذ نزوله يوم 4 أكتوبر 2019، حيث حقق 306 ملايين دولار متجاوزا أضعاف تكلفة إنتاجه التي بلغت 55 مليون دولار فقط!! وهذه عظمة الآلة الجهنمية الدعائية لأفلام هوليود التي تحطم كل الأرقام.

 

سر نجاح فيلم "الجوكر" في قوة خطابه "السياسي" ورسائله الاحتجاجية المنتقدة للنظام. "الجوكر" شخصية ولدت في عالم "الكوميكس" كانت موجهة لتسلية الأطفال، اليوم وعبر "كتابة" فيلمية أخرى وإسقاطات إيديولوجية وسياسية انزاحت شخصية "الجوكر" عن وظيفتها وأصبح فيلما مصنفا ل"الكبار" وممنوع أن يشاهده "الصغار". وهذا سر من أسرار صنّاع ومبتكري شخصيات "الكوميكس" في الشركتين الأمريكيتين المتنافستين "مارفل" و"دي سي"، عبر خلق "قوالب" شخصيات للكبار والصغار، لا تكتب بعفوية وسذاجة، بل كل شخصية تحمل رؤية فلسفية لا تترك أي شيء للصدفة.. وشخصية "الجوكر" نموذجا، والذي كان "ملهما" لأكبر انتفاضة في مدينة "غوثام" gotham city)، وهي مدينة خيالية ظهرت في قصص "دي سي كوميكس" ولد فيها "باطمان"، وهناك شخصيات أخرى للصغار لكن بمحتويات فكرية للكبار مثل "wonder women" و"spiderman" و"superman" و"ironman".. لم تخلق من "العدم"، بل كانت إفرازا من الواقع.

 

فمن شاهد "الجوكر" سيعيد مشاهدة سلاسل أفلام "باطمان" ليعيد النظر في هذه الشخصية "الشريرة" التي قدمها المخرج "تود فيليبس" والممثل "خواكين فينيكس" في شخصية "مهرّج" كان يضحك الأطفال في مجتمع لا يرحم الفقراء يحكمه الأثرياء "القساة"، قبل التمرد على هذه "القسوة" والتحوّل إلى شخصية دموية مهووسة بالقتل!!