كريم مولاي :ثمن التغيير في الجزائر

كريم مولاي :ثمن التغيير في الجزائر كريم مولاي
على الرغم من ضخامة عدد المتقدمين للانتخابات الرئاسية التي يصر قائد الجيش الجزائري على إجرائها في 12 من ديسمبر المقبل، فإن ما يلاحظه المراقب العادي لتطورات الموقف الرسمي في الجزائر، يستطيع أن يصل إلى نتيجة مفادها أنه لا أحد من المترشحين، لا أقول له الثقة في إجراء الانتخابات في موعدها المحدد فحسب، وإنما لا يملك أصلا أي مشروع سياسي لقيادة الجزائر، ولا يثق في جدية العصابة التي تحكم وفق معايير مافيوزية بحتة.
ليس المهم بالنسبة للجزائريين والمنشغلين بالشأن الجزائري من دول الإقليم، التطلع في قائمة الأسماء المترشحة، فهم جميعا عبارة عن ظواهر صوتية لملء الساحة السياسية الجزائرية، التي تعيش تحت وطأة حراك شعبي متصاعد، تمكن من إسقاط الرجل المحنط ورمى به في التاريخ، قبل أن يلقي بمحيطه في غياهب سجون يبدو أنها لا أول ولكن لا آخر لها.
مازالت حناجر الطلاب ومعهم غالبية أبناء الشعب الجزائري الموزع بين محافظات محرومة من أبسط مقومات الحياة، وبين مواطن الاغتراب بعد أن عزّت لقمة العيش الكريم، في بلاد حباها الله بثروات طبيعية تكفي لإطعام لا أقول الجزائريين وحدهم، وإنما سكان الشمال الإفريقي برمته، لو أن الله منّ علينا بحكومة راشدة تعرف كيف تصرف أموالنا.
أما وحالنا على ما هو عليه، فقد أصبحت امرأة فرنسية عاشقة لمهاجر جزائري تلاحقه في المحافظات النائية، متهمة بأنها هي من تحرك آلاف المتظاهرين من أبناء الجزائر الذين اكتووا بنار الحاجة والحرمان. تقوم أجهزة الأمن باعتقال الفتاة، وتتهم المتظاهرين بالعمالة، لكنها سرعان ما تتراجع عندما علمت أن الأمر يتعلق بنائبة فرنسية في البرلمان، وتنفي أنها اعتقلتها أصلا..
وهذه رسالة أخرى لفرنسا التي تراقب تطورات الحراك الجزائري المتنامي أولا، ولأبناء الجزائر ممن هانوا في أعين سلطات بلادهم، فهي تعتقلهم وتعذبهم وتحاكمهم، فقط لأنهم مارسوا حقهم في التظاهر السلمي والمطالبة بأن يعيشوا مواطنين كرماء، بعد أن أغلقت في وجوههم كل منافذ العيش الكريم في الداخل، وأمست الهجرة حلما بعيد المنال.
وبعيدا عن الدلالات المباشرة للحراك الشعبي، الذي يستنزف البلاد وميزانيتها المثقلة بالديون، والتي يبدو أنها ستضاعف من مديونيتها في مقبل الأشهر والسنوات، فإن ما لا تخطئه أعين المختصين بالشأن السياسي، أنه في غياب توافق سياسي حقيقي بين مختلف مكونات البلاد المجتمعية بمختلف تنويعاتها، فإن الحديث عن استقرار أمني واقتصادي سيظل هو الآخر بعيد المنال، وسيمثل ذلك مدخلا لمزيد من استنزاف القوى الخارجية المتربصة بالجزائر.
وهكذا فإن استمرار عصابة الحكم الحالية في تسويف الجزائريين، من خلال ترويج الأمنيات والتعهدات بالإصلاح والانتخابات الحرة النزيهة، من خلال إشراف هيئة مستقلة على الانتخابات، لن يقدم ولن يؤخر في أمر الجزائر وأهلها شيئا، وإنما سيزيد من تعقيد الأزمة ويجعل من أمر التغيير، الذي أصبح حتميا وغير قابل للتأجيل أكثر كلفة على جميع المستويات.
وللأسف الشديد، فإن هذا التغيير القادم حتما في الجزائر وفق سنن التاريخ، سيدفع ثمنه الجزائريون أولا، ثم دول الإقليم وحلفاء الجزائر، لا سيما من أبناء الضفة الشمالية للمتوسط، الذين لم نسمع لهم موقفا جديا في مناصرة الجزائريين والمطالبة بالإفراج عن المتظاهرين السلميين، الذين يقبعون في سجون مظلمة فقط لأنهم مارسوا حقهم المكفول قانونيا بالتظاهر السلمي.
كريم مولاي، خبير أمني جزائري