الدكتور الشرايبي: حل مشكل الإجهاض رهين بتعديل القانون الجنائي من باب صحة المرأة وليس الدين

الدكتور الشرايبي: حل مشكل الإجهاض رهين بتعديل القانون الجنائي من باب صحة المرأة وليس الدين د.شفيق الشرايبي، أخصائي في أمراض النساء والولادة ورئيس الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري
لتسليط الضوء على السجال الدائر حول الحريات الفردية استضافت "الوطن الآن" د.شفيق الشرايبي، أخصائي في أمراض النساء والولادة ورئيس الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري، والذي حذر من المضاعفات الصحية لعمليات الإجهاض غير الآمن، والتي قد تصل إلى حد الوفاة، حيث تجرى في العيادات وليس في المصحات التي تفتقد لتعقيم جيد، ولقاعة عمليات.. بينما لو أجري الإجهاض بشكل مقنن وفي ظروف آمنة فلن تكون هناك مضاعفات أو حالات وفيات.
لقيمة هذا السجال
"أنفاس بريس" تعيد نشر حوار د.شفيق الشرايبي:   

كيف تنظر إلى النقاش الجاري الآن بشأن الحريات الفردية، وضمنها حرية المرأة في التصرف في جسدها، وإلى أي حد وصل المغرب إلى التطورات الجارية في بلدان أخرى في العالم بهذا الخصوص؟
 
للأسف، نشهد تراجعا بهذا الخصوص، وأعتقد بأن طرح هذا الملف يعد من عواقب عدم تقنين الإجهاض في المغرب. فلو كان الإجهاض مقننا لما طرحت قضية اعتقال الصحفية هاجر الريسوني رفقة طبيبها. فالحمل غير المرغوب فيه يجعل المرأة تفكر في إجراء عملية إجهاض، وهذا الإجهاض لحد الآن سري وغير آمن ويشكل خطورة على صحة المرأة، وعلى الطبيب الذي يشرف على هذه العملية، وقد عاينا في السنوات الأخيرة الكثير من حالات توقيف الأطباء بسبب عمليات الإجهاض، علما أنه في السابق كانت السلطات تتغاضى عن هذا الموضوع. وأشير إلى أن هناك عواقب أخرى لعدم تقنين الإجهاض، وضمنها تسجيل حالات انتحار في صفوف الفتيات والنساء اللواتي لم يتمكن من إجراء عمليات إجهاض بصفة مقننة. كما لا يمكن إغفال موضوع جرائم الشرف، فهناك فتيات يتعرضن للطرد من بيوتهن وهو ما يعرضهن للتشرد، وهو ما يقودهن إلى الدعارة...إلخ. وهناك أخيرا فتيات لا يتمكن من إجراء عمليات إجهاض وهو ما يقودهن إلى التخلي عن رضّعهن، أو قتلهم أو الاحتفاظ به على أن يتم التخلص منه بعد ذلك، حيث يكون مآ له دور الأيتام، وبعد ست أو سبع سنوات يغادر دار الأيتام ويصبح عرضة للتشرد في الشوارع..
 
بالإضافة إلى المضاعفات الصحية لعمليات الإجهاض غير الآمن، والتي قد تصل إلى حد الوفاة، حيث تشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلى أنه من أصل 4 عمليات إجهاض غير آمن تسجل حالة وفاة واحدة، ما تعليقك؟
 
l تماما.. هذا ما نركز عليه دائما. فالإجهاض لما يكون سريا يكون غير آمن، حيث تجرى عمليات الإجهاض في العيادات وليس في المصحات التي تفتقد لتعقيم جيد، ولقاعة عمليات.. بينما لو أجري الإجهاض بشكل مقنن وفي ظروف آمنة فلن تكون هناك مضاعفات أو حالات وفيات، وهذا أمر واضح في البلدان التي يسمح فيها بالإجهاض. بينما في البلدان النامية 13 في المائة من وفيات النساء تعود إلى الإجهاض السري. إذا الحمل غير المرغوب فيه لا سبيل للتخلص منه، وهو موجود في مختلف بلدان العالم، وحتى ولو تم اتخاذ إجراءات وقائية، فمن المؤكد أنه سيسجل حملا غير مرغوب فيه. فهناك نساء ورغم ربط القنوات، ورغم اعتمادها على وسائل منع الحمل وضمنها اللولب وحبوب منع الحمل ورغم ذلك يحصل الحمل، وهناك فتيات لا يعتمدن على وسائل منع الحمل بسبب غياب التربية الجنسية التي تظل من الطابوهات، فهي لا تدرس في المدارس وفي الجامعات، أو داخل منظمات المجتمع المدني.
 
 في هذا الإطار بعض المراقبين يرون أن المغرب شهد تطورا في ما يتعلق بحقوق المرأة في السنين الأخيرة، لكن رغم هذه الإصلاحات يسجل هؤلاء وقوع تراجعات في ما يتعلق بالحريات الفردية منذ عام 2011، وهي الفترة التي تزامنت مع صعود الأصوليين إلى الحكم، كيف تقرأ ذلك؟
 
l مع الأسف الشديد، الأصوليون يعتمدون على مرجعية خاصة بهم، ويعتقدون بأن إصلاح شؤون البلاد سيكون من خلال التشدد في ما يتعلق بالحريات الفردية.. لا يمكن إصلاح أوضاع البلاد بتصورات من هذا النوع. فالمجتمع يتطور، ولا يمكننا العودة إلى الوراء، بل لابد من مسايرة تطور المجتمع، وأنا أستغرب لوجود دعارة في البلاد، وجود مقاهي ونوادي ليلية فيها استهلاك الخمور، كازينوهات للعب الميسر.. وهي أمور مضرة بالمجتمع مقابل عدم تقنين الإجهاض، علما أن الحمل غير المرغوب فيه يرتبط بغريزة إنسانية موجودة، ولا يمكن الهروب من عواقبها، ولا سبيل للخروج من الوضع سوى تقنين الإجهاض.
 
لكن الرافضين لتقنين الإجهاض يرون أن المغرب دولة إسلامية، وأن مطلب إقرار الحريات الفردية أضحى محط مزايدات سياسية، فكيف تنظر للموضوع من زاويتك؟
المشكل صحي محض.. وهناك دول إسلامية أقدمت على السماح بالإجهاض بشكل مطلق. وفي المغرب وافق مجلس الحكومة على إجراء الإجهاض في حالات محددة، وهي خطوة أولى، لكنها تبقى قليلة، ولن تحل المشكل بالمرة. وأنا أقول إن الحل لمواجهة المشكل هو معالجته من باب صحة المرأة وليس من باب الدين، ولابد من تعديل الفصل 453 من القانون الجنائي، فهذا الفصل يشير إلى أنه يسمح بالإجهاض إذا كانت صحة المرأة في خطر، لكن ما هو تعريف الصحة حسب منظمة الصحة العالمية؟ تعريف الصحة حسب هذه المنظمة يحيل على من يتمتع بصحة بدنية ونفسية وعقلية واجتماعية. إذاً لابد من تعديل هذا الفصل مع ضرورة إدماج مفهوم الصحة كما هو معتمد من طرف منظمة الصحة العالمية. فلو تم تبني هذا المدخل فلا أعتقد بأن رجل الدين سيتبنى موقفا مناوئا لصحة المرأة أو موقفا يقود المرأة إلى التهلكة، وأنا لست من المطالبين بالسماح بالإجهاض بشكل مطلق. فنحن – مع الأسف – لم نصل بعد لإعطاء المرأة الحق في حرية التصرف في جسدها، علما أن دولا أخرى مثل تونس وتركيا، وبعض جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق وهي دول إسلامية تسمح بالإجهاض، ولهذا وكي نخرج من هذا النفق الضيق فالحل في نظري ينبغي أن يكون من باب صحة المرأة. وأنا كطبيب من مسؤوليتي الحفاظ على صحة النساء، حيث يزرن المستشفى بمضاعفات خطيرة، وهناك من يكتب لهن الوفاة بسبب إجهاض غير آمن.
 
في هذا السياق، أشارت منظمة أطباء بلا حدود ان التقييد القانوني للإجهاض لم يؤدي إلى تقليص حالات الإجهاض غير الآمن، بالعكس فإن تقنينه أدى إلى انخفاضه في عدد من البلدان، ولعل خير مثال هو الموزمبيق، ما رأيك؟
صحيح.. وهذا خير دليل في مواجهة من يدعون أن تقنين الإجهاض سيؤدي إلى ارتفاع حالات الإجهاض، فمثلا في هولندا وهي البلد الذي يسمح بالإجهاض بشكل مطلق إلى غاية الأسبوع 24 من الحمل تسجل فيها أرقام ضعيفة جدا في ما يتعلق بالإجهاض. وبالتالي فالسماح للمرأة بالإجهاض لا يؤدي تلقائيا إلى أن النساء سيلجأن إليه، بل بالعكس، فالإجهاض له عواقب نفسية وعقلية، وله الكثير من المضاعفات والعواقب..