الخاميس بوعبيد فاضيلي: المراقبة الضريبية عبر شبكة الإنترنيت وقانون حماية المعطيات الشخصية!؟

الخاميس بوعبيد فاضيلي: المراقبة الضريبية عبر شبكة الإنترنيت وقانون حماية المعطيات الشخصية!؟ لخاميس بوعبيد فاضيلي

اعتمد المشرع مبدأ التصريح الضريبي، هذا المبدأ الذي ينبع من روح المسؤولية والمبادرة والتلقائية في إعداد التقارير والتصريحات تحقيقاً للواجب المطلوب منهم وهو المساهمة في تحمل التكاليف العمومية، وأعطى للملزم الحرية في ذلك، لكنه في نفس الوقت استتبع هذا التصريح بمراقبة وفحص وتدقيق يتم وفق إجراءات واجبة الإتِّباع تحت طائلة البطلان والإلغاء. وأفرد المشرع الضريبي قواعد المراقبة وآلياتها وضوابطها وشروطها وحدودها ضمن المدونة العامة للضرائب ، ووفّر لطرفي العملية ضمانات كفيلة لحماية لحقوقهم، وألزمهم بواجبات لضمان المساواة بين الخاضعين للضريبة في أفق تحقيق العدالة الضريبية باعتبارها مطمح جماعي.

وأعطى للإدارة الضريبية الحق في الإطلاع وتبادل المعلومات مع المؤسسات العمومية وشبه العمومية ومراقبة مختلف الضرائب والواجبات والرسوم المستحقة على الخاضعين لها قياما بواجبها وقد أثارت إحدى الجرائد عنواناً عريضاً مفاده قيام إدارة الضرائب بإنشاء مصلحة للأبحاث على الإنترنيت، بل أوردت الجريدة على لسان أحد المسؤولين الضرييين «الآن أضحى في متناول أيدينا منجم من المعلومات، وهو الأنترنيت» (جريدة ليكونوميست بتاريخ 26-08-2019)، بغض النظر عن التفسير والقراءة التي لا تخلوا من الإثارة والجلبة الإعلامية التي لا تهمنا بقدر ما يهمنا تفحص وتحليل الجوانب القانونية المتعلقة بمعالجة معطيات الشخصية للملزمين عبر الشبكة المفتوحة (الإنترنيت).

وعلى وضوء ذلك، وفي ظل استخدام إدارة الضرائب للوسائل المعلوماتية في معالجة المعطيات والبيانات المتعلقة بالملزمين المتوفرة عبر المواقع الإلكترونية وعبر الحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل خاص وعبر شبكة الإنترنيت عموما، الأمر الذي قد يعد تجاوزا وشططا ومسا خطيرا بالحياة الخاصة والمعطيات الشخصية، بل إن جمع المعلومات والبيانات من الشخصية بطريقة غير شرعية من الشبكة المفتوحة دون إذن أصحابها وموافقتهم من طرف أية جهة كانت يعتبر تهديدا للأمن المعلوماتي الذي يبقى جزءا من الأمن الاجتماعي للمواطنين بشكل عام وللملزمين بأداء الضريبة بشكل خاص، مما مجموعة من التساؤلات أبرزها، ما هي الضمانات القانونية الكفيلة لضمان احترام الإدارة الضريبية للمعطيات الشخصية للملزمين وكذا احترام خصوصيتهم على الفضاء الرقمي؟ وما مدى شرعية قيام الإدارة الضريبية- بمعالجة المعطيات الشخصية عبر الإنترنيت؟ وما هي مظاهر الحماية في القانون 08-09 المتعلق بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي الذي خرج إلى الوجود لتحقيق غايات دستورية تتعلق بحرمة الحياة الخاصة للمواطنين؟.

بناء على ذلك نرى التعرض لمظاهر الحماية والضمانات في المدونة العامة للضرائب (أولا) ثم لمظاهر الحماية في قانون المعطيات الشخصية (ثانيا) كما يلي:

أولا: مظاهر الحماية في المدونة العامة للضرائب:

إن الغاية من سنّ المدونة العامة للضرائب أن يتم تطبيق مقتضياتها تطبيقا سليما وأن تفسر مقتضياتها على الوجه الصحيح وأن التفسير يجب أن يكون لفائدة الطرف الأضعف في الحلقة الضريبية وهو الملزم من خلال احترام كل الضمانات التي تبقى هي صمام الآمان، بل إن حق الإطلاع وتبادل المعلومات المنصوص عليه في مقتضيات المادة 214 من المدونة العامة يجب أن يرتكز في سائر أطوار على مبدأ التواجهية والحضورية عبر تفعيل مسطرة التبليغ وتمتيع الملزم بحق الدفاع .

وإذا كان القانون أعطى للإدارة أحقية الحصول على المعلومات من مختلف المؤسسات العمومية والخاصة فذاك مقرون بإشعار الملزم بهذه العملية طبقا لقواعد التبليغ المنصوص عليها في المادة 219 من المدونة العامة للضرائب، بهدف الإطلاع على أصول أو أوراق أو نسخ سواء كانت على حامل مغناطسيسي أو معلوماتي أو كيفما كانت الدعامة سواء ورقية أو إلكترونية دون إمكانية الاعتراض على ذلك بحجة كتمان السر المهني، مما يشكل انتهاكا لحرية حقوق وحريات الخاضعين للضريبة، ذلك أن الإدارة مطالبة بالموازنة بين مع حق المراقبة من جهة واحترام السر المهني من جهة أخرى.

ونصت الفقرة الرابعة من المادة 214 من المدونة العامة على ما يلي: «بصرف النظر عن جميع الأحكام المخالفة، يمكن لمديرية الضرائب استعمال المعطيات المحصل عليها بجميع الوسائل بغرض القيام بمهامها في مجال وعاء ومنازعة ومراقبة وتحصيل الضرائب والواجبات والرسوم »، هذا النص الذي يقتضي عدم التوسع في تفسيره إعمالا لمبدأ التفسير الضيق للنص الضريبي لما له من آثار في المساس بحقوق الملزم وإثقال كاهله، إن هذا المبدأ يفرض ضرورة القيام بتأويل النص الضريبي في الاتجاه الذي يكون الأصلح والأكثر فائدة للملزم باعتباره الطرف الضعيف في العلاقة الضريبية.

وإن من شأن التفسير الواسع لنص المادة المذكورة بكونه يكفل لها الحق في تتبع ومعالجة معطيات الملزمين المتناثرة عبر شبكة المعلومات الإنترنيت،أن يعتبر خرقا لقانون المعطيات الشخصية وانتهاكا لخصوصيتهم لاسيما مع بداية خضوع المعطيات الشخصية

لنظام تحكم مركزي للإدارات العمومية،مما يثير تخوفات شديدة على حماية البيانات التي تتصل بالأفراد وحياتهم الخاصة.

ثانيا: مظاهر الحماية قانون حماية المعطيات الشخصية:

المشرع المغربي كباقي التشريعات في بلاد المعمور استجاب هو الآخر لتحديات ثورة المعلومات والاتصالات، وانتبه لخطورة الانفتاح المذهل والتدفق الكبير في تداول المعلومات والمعطيات والبيانات الشخصية والمالية عبر شبكة الإنترنت، دفعته – هذه الاعتبارات- إلى وضع القانون رقم 08-09 المتعلق بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي من أجل حماية الحياة الخاصة للأفراد وحريتهم ومعطياتهم الشخصية إزاء الاستعمال غير المشروع واللامسؤول من طرف الأغيار سواء أفرادا أو مؤسسات عمومية أو خاصة، وذلك تكريسا منه للحق في الحياة الخاصة الذي يعتبر عصب الحرية الشخصية و ركيزة أساسية لحقوق وأحد مظاهر الحقوق والحريات الأساسية التي تم تكريسها دستوريا.

ويقصد بالمعطيات الشخصية حسب المادة الأولى من القانون المذكورة: «كل معلومة كيفما كان نوعها بغض النظر عن دعامتها بما في ذلك الصوت والصورة والمتعلقة بشخص ذاتي معرف أو قابل للتعرف عليه بصفة مباشرة أو غير مباشرة ولاسيما من خلال الرجوع إلى رقم تعريف أو عنصر أو عدة عناصر مميزة لهويته البدنية أو الفيزيولوجية أو الجنسية أو النفسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو الاجتماعية». و لقد أقر هذا القانون جملة من المقتضيات القانونية الهادفة إلى حماية الهوية والحقوق والحريات الفردية والجماعية والحياة الخاصة من كل ما من شأنه أن يمس بها عبر استخدام المعلوميات.كما يحدد هذا القانون الحق في الولوج إلى القواعد التي تتضمن المعطيات الشخصية، والتعرض على بعض عمليات المعالجة وطلب تصحيح المعطيات الخاطئة أو مسح المعطيات التي انتهت صلاحيتها أو التي تم تحقيق الغاية من معالجتها.

وقد أوضح المشرع ذلك صراحة في مستهل المادة الأولى من هذا القانون " المعلوميات في خدمة المواطن وتتطور في إطار التعاون الدولي ويجب ألا تمس والحقوق والحريات الجماعية أو الفردية للإنسان وينبغي ألا تكون أداة لإفشاء أسرار الحياة الخاصة للمواطن" ومن خلال ديباجة هذه المادة يتضح أن المشرع قد حرص على إبراز فلسفة قانونية جديدة واكبت التطورات في المجال الالكتروني والمعلوماتي يمنع بمقتضاها أي استخدام أو استعمال غير مشروع للمعطيات الشخصية، وقد أحدث القانون 08-09اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي من أجل السهر على احترام تطبيق مقتضيات هذا القانون.

ومن تم إن قيام الإدارة الضريبية برصد الملزمين مستخدمي الإنترنيت وجمع بياناتهم الشخصية عن طريق مصالح الأبحاث لديها يشكل اعتداء صارخا على حقهم في الخصوصية وعلى حرياتهم، بل إن من شأن القيام بأي مراقبة أو معالجة عن بعد دون إذن الملزمين وموافقتهم المساس بالأمن السيبراني للخاضعين للضريبة الذي يضعون معلوماتهم الشخصية عبر الفضاء الإلكتروني المفتوح، بل الأكثر من ذلك فالخوف من المراقبة الضريبية عبر الإنترنيت سيهدد أي تطور أو أي انخراط للمواطنين في الإقتصاد الرقمي في بلدنا.

وأوجد القانون المومأ إليه مجموعة من الضمانات والحقوق في مقابل التزامات تقع على التي تقوم بالمعالجة للبيانات الشخصية لعل أبرزها الحق في الموافقة والتعبير عن رضاه عن العملية أو مجموع العمليات المزمع انجازها؛ كما له الحق في الإخبار عند تجميع المعطيات بطريقة صريحة ودقيقة حول خصائص المعالجة المنجزة، أضف إلى ذلك الحق في الولوج والاستفسار عن المعطيات المعالجة وخصائصها ومصدرها والجهات التي أرسلت إليها هذه المعطيات، وكذا ممارسة حق التصحيح وتحيين المعطيات الشخصية المتعلقة به أو إزالتها أو إغلاق الولوج إليها عندما يتبين له أن هذه المعطيات ناقصة أو غير صحيحة أو فاقدة للصلاحية ويوجه طلب التصحيح إلى المسؤول عن المعالجة دون إن نغفل الإشارةإلى تنصيص هذا القانون على ممارسة حق التعرض على معالجة معطيات الشخصية في أي وقت ولأسباب مشروعة وبدون تكاليف.

وعاقب المشرع عن مجموعة من الجرائم التي تطال الحق في الخصوصية و تمس بالمعطيات ذات الطابع الشخصي، و تتنوع الجرائم الماسة بالحق في الخصوصية. و تتعلق الجرائم الماسة بالبيانات الشخصية كجريمة المعالجة غير المشروعة، او جريمة الاستعمال غير المشروع للمعطيات. أو قد تتعلق بحقوق الشخص المعني، و التي قد تتجلى في المعالجة بدون رضى الشخص المعني أو الاعتداء على حقوق الشخص المعني أو في حالة معالجة بدون تصريح أو بدون إذن مسبق أو مواصلة المعالجة بعد سحب التصريح او الإذن، ومن تم فان مخالفة هذه الشكليات يعد جريمة معاقب عليها، ومن اجل ضمان سلامة المعطيات و حمايتها من مختلف المخاطر التي يمكن إن تتعرض لها خاصة انتهاك سريتها.

وأخيراً يجب على الإدارة تفسير النص الضريبي تفسير ضيقاً حتى لا يصبح سبباً لتجاوزات ويجب أن يكون أي استنتاج مرتكزا على نية المشرع أثناء وضع النصوص القانونية، وأن تفسر تفسيرا يتلاءم مع بعضها البعض فلا يمكن أن تكون المدونة العامة للضرائب تتنافى مع القواعد المنصوص عليها في القانون 08-09 المتعلق بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، كما أنه يتوجب على الإدارة في هذا الإطار أن تلتزم بخطاب موحد من خلال تفعيل النصوص لا يتنافى مع ما قد تثبته عبر الصحف اليومية بشكل دوري، كما أنه يتوجب على الإدارة أن تقوم بتوضيح حقوق الملزمين عبر التواصل والحوار المباشر لا عن طريق عناوين مثيرة على الصفحات الأولى من الجرائد تجعل الملزم في حيرة من أمره لا يدري أين القانون من عدمه، ونتيجة ذلك يبقى المشرع من أي وقت مدعو إلى إحداث توازن بين حقوق الإدارة الضريبة في ممارسة مساطرها وبين حقوق الملزمين في حماية معطياتهم الشخصية.

وفي الختام لن ندّعي أننا أوفينا هذا الموضوع حقه من البحث لكننا حسبنا التأكيد على الإشكاليات القانونية التي يثيرها في هذا الباب وتستدعي الوقوف والتأمل من طرف الملزمين من جهة وإدارة الضرائب من جهة أخرى.

الخاميس بوعبيد فاضيلي،محام وباحث في قانون الأعمال