وبالتالي فالخلل الحقيقي يتمظهر في بنية عقلية الوزير المشرف على القطاع، الذي نراه اليوم يسابق الزمن ليس من أجل إحقاق الإصلاح الإداري بل من أجل ضمان بقاءه ضمن الحكومة والإفلات من أن يكون معنيا بالتعديل الحكومي المقبل.
لكل هذا نجد أن محمد بنعبد القادر، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، يهرول في الوقت بدل الضائع من عهدته الحكومية، لإخراج مراسيم تهم تحديث الإدارة ويتسلح بإرادة قوية تغذي رغبته في البقاء وزيرا.
إن هذا الأمر يثبت من جديد أن مسار تحديث الإدارة لا يقتصر على مراجعة الإطار القانوني أو إنشاء هياكل جديدة فحسب، بل يتطلب أيضا تحقيق تحول حقيقي في العقليات المشرفة على هيكلة الخدمات العمومية، باعتباره الشرط الأول في اتجاه تنفيذ برامج الإصلاح الحقيقي للإدارة.
أكيد أن تضخم الهياكل الحكومية والإدارية أدى إلى تعدد المتدخلين، وساهم في تعقيد التنسيق الحكومي، غير أن الضعف الحقيقي الذي يعاني منه القطاع يتجسد في شخصية الوزير الوصي على القطاع الذي أثبت عدم دراية، وقصور معرفته، وعدم تملكه لرؤية سياسية، تتسلح بالإبداع وبالإدارة في التغيير.
ولعل ما لم يستوعبه محمد بنعبد القادر هو أن الإصلاح هو مسألة نفوس قبل أن يكون إصلاح نصوص، لمواجهة الاختلالات الإدارية وفوضى تعدد المتداخلين الإداريين عموديًا (داخل الهيكل الإداري نفسه) وأفقياً (الهياكل العاملة في نفس المجال).
وأمام هذا الوضع يلزم إقرار استراتيجية واضحة المعالم وبجدولة زمنية مضبوطة تقوم على أساس دمج محاور المجالات الوظيفية، بغية مواجهة الاختلالات في الإدارة العمومية، واتجاه الإدارة إلى نهج استباقي يحول دون حدوث هذه الاختلالات.
كما أن تنزيل السليم للجهوية الموسعة، يقتضي بالضرورة تحقيق توزيع مناسب ومسبق للوظائف والمهام بين المستويين المركزي والترابي، بما من شأنه أن يكرس مبدأ اللا مركزية ويخول الصلاحيات للجماعات الترابية، في إطار تحديد واضح للأدوار والمسؤوليات واستخدام آليات المشاركة والمساءلة.
إن استراتيجية تحديث الإدارة العمومية والوظيفة العمومية، ينبغي أن يكون وفق مقاربة تشاركية، ورؤية استشرافية، ولتحقيق هذا فإن الوزير الحالي يفتقد الأهلية المعرفية والقوة السياسية والشخصية التوافقية التي تمكنه من تجاوز مرحلة التشخيص للوضع الحالي للإدارة إلى مرحلة التنزيل.
خبير في القانون الدستوري والشؤون البرلمانية