عبد المنعم الكزان: إسقاط البيعة والجنسية تضع الفاعل السياسي على المحك

عبد المنعم الكزان: إسقاط البيعة والجنسية تضع الفاعل السياسي على المحك عبد المنعم الكزان

شكلت قضية المطالبة بالتخلي عن الجنسية المغربية وإسقاط رابط البيعة من طرف معتقلي ملف حراك الريف (ناصر الزفزافي و5 من المعتقلين بسجن "راس الما" بفاس)، جدلا واسعا ونقاشا متباينا في الشارع المغربي، وإننا إذ نعتبرها خطوة لم يسبق إليها حتى معتقلو سنوات الجمر والرصاص، بل حتى أبراهام السرفاتي اليهودي المغربي الذي جرد من جنسيته.

 

والجدير بالذكر أنه لا يمكن أن يفهم من هذه المبادرة إلا كنوع من المزايدة على القانون والدستور ومؤسسات الدولة كنتيجة للإحباط الذي يشعر به المعتقلون بعد استنفاذ كافة الوسائل المشروعة، لكن لابد أن نشير أنها خطوة لن تسهم في حلحلة الوضع، بل من شأنها أن تسهم في إضعاف جبهة المساندين للمطالب المشروعة لساكنة الريف لحراك الريف.

 

ويجب أن نقرأ إسقاط البيعة والمطالبة بإسقاط الجنسية، كنوع من حرق للهوية المغربية كنتيجة وامتداد لضعف السياسات العمومية وضعف تدبير الشأن العام، وضعف الفاعلين السياسيين وعدم وفائهم بالوعود التي قطعوها مع الساكنة، مما أدى إلى غياب الثقة، وبعدها كل البعد عن واقع ملايين المغاربة على مستوى الخطاب والممارسة، وخاصة في الفترة الممتدة لحكومة كل من بنكيران والعثماني.

 

إن بعض المواقف المتشنجة التي يعبر عنها الشباب، جاءت نتيجة فقدان الأمل، صحيح أن بعض المواقف أكبر من أن يفكر فيها الزفزافي ورفاقه، لكنها تشكل نوعا من المزايدة على مؤسسات الدولة، وتضع استراتيجيات الحكومات المتعاقبة على مستوى التربية والتعليم على المحك، بل وتطرح التساؤل حول طبيعة البرامج الاجتماعية والنفسية التي قد تسهم في إعادة إدماج المناطق المهمشة نفسيا واجتماعيا، من خلال التربية على المواطنة وتكريس الهوية الوطنية موضع تساؤل. وهو أمر يزداد تعقيدا كلما حاولنا دراسة آليات الخطاب السياسي للأحزاب السياسية والنقابات والمدرسة كأحد آليات الإدماج الاجتماعي، وهذا الأمر يبدو واضحا من خلال عدم خروج الأحزاب السياسية والنقابات بمواقف رسمية الآن!! أو مبادرات مستعجلة لحل هذا الملف، باستثناء بعض المواقف الفردية، بحيث أن الخطاب السياسي والنقابي يكرس ما يمكن أن نسميه لاوعي الكره، تجاه مؤسسات الدولة، كما أن استمرار نفس العائلات ونفس الوجوه، يحد من إدماج فئات كبيرة من المجتمع في المشهد السياسي المغربي، ويحول مؤسسات الدولة الى مؤسسات للإكراه، والاحتكار في المخيال الجمعي.

 

ورغم ذلك يبقى شباب الحراك وبنية مصغرة للشباب المغربي الذي تعرض لكل أشكال الإقصاء الاجتماعي (التشغيل، التعليم، المشاركة السياسية…)، والعنف الاقتصادي والاجتماعي والسياسي يبقى كنتيجة لتفاعل عدة عوامل مجتمعية.

 

وانطلاقا من كل ذلك إذن، فهؤلاء الشباب، وان كانوا صحيحا ضحايا، لكنهم مذنبون في نفس الوقت، فالشباب المغربي محبط ويريد إثبات ذاته بكل الطرق، والتي قد تصل حتى إلى العنف، وفي نفس الوقت غير مؤطر على مستوى قيم المواطنة والتضامن.

 

إن قضية إسقاط البيعة والجنسية تضع الفاعل السياسي على المحك، ومن المفروض أن أول ما يجب أن يقوم بدور الوساطة لحل هذا المشكل، الذي لا يمكن إلا أن يزيد من تعقيد ملف أحداث الريف، والانكباب على حل إشكالية تشغيل الشباب وإدماجه اقتصاديا وهوياتيا؛ بدل التفكير بمنطق الغنيمة على مستوى توزيع الوظائف العمومية والتعيينات على الموالين والعائلات؛ وهذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال مشروع تنموي بديل وشامل.

 

- عبد المنعم الكزان، باحث في السوسيولوجيا السياسية