محمد مرفوق: حيرة بنعبد الله بين الحلم واليقظة في زمن نكبة الحزب

محمد مرفوق: حيرة بنعبد الله بين الحلم واليقظة في زمن نكبة الحزب محمد مرفوق

منذ مدة وكل التخمينات تصب في اتجاه أن حزب التقدم والاشتراكية، لا محالة مغادر لسفينة حكومة العثماني قبل نهاية فترة انتدابها، والغريب في الأمر أن الأمين العام لحزب الكتاب، بدون مراعاة أخلاق الصدق والأمانة في الكلام وإبداء النوايا الحسنة،  كعادته دائما في التهديد باتخاذ قرار مغادرة سفينة هذه الحكومة، يحاول اليوم عبثا ممارسة المزيد من الضغط على رئيسها لتلبية طلباته والامتثال لنزواته؛ أو على الأقل، ضمان الريع ومتابعة استفادة حزبه وأتباعه مما يُغدق عليهم من مداخيل وامتيازات،  و كان قد بلغ السيل ذروته إبان حكومة بنكيران الأولى..
ولم يخرج  بنعبد الله عن نهجه  عندما كان قد أحس سابقا بأن أسلوبه في الضغط السياسي لم يعد ينفعه في شيء، فأقر علانية في بادئ الأمر بأنه باق في الحكومة إلى حين اكتمال فترتها، بل إعترف شخصيا بأن  تموقع "حزب الكتاب"، خارج الحكومة سيزيد من ضعفه وتقهقره إلى مراتب دنيا أكثر مما هو عليه الآن..
واليوم نستغرب مرة أخرى، لموقف نفس الأمين العام ولرفاقه، فبعد أن تأكد الأمر لديهم  بأن الحزب سيكون لا محالة خارج الحكومة بمناسبة التعديل المرتقب، يحاولون جميعهم أن يرجعوا ذلك إلى  "رغبة داخلية لعدد كبير من قياديي الحزب" الذين يعتقدون أنه أصبح ضروريا بالنسبة لهم "التخلص من عبء حكومي أنهك الحزب المنهك أصلا" حسب تعبيرهم، وأنهم يريدون ذلك من أجل التفرغ لإعداد الإنتخابات المقبلة القريب أجلها..؟!
فعلى من يضحكون إذن؟، أليس هذا من باب الغرابة حتى لا تقول قمة  البلادة؟!! رفاق تنطق ألسنتهم بما ليس في قلوبهم!!، وكيف يخفون حقيقة   أن مغادرتهم للحكومة ستكون أكبر نكبة وحسرة وخسارة لهم!، وهم الذين عرفوا خلال السنوات الأخيرة خسارة تلو الأخرى ولم يتّعضوا، بل وستكون بالنسبة لهم بمثابة دق آخر مسمار في نعش هيئتهم الحزبية ومذهبهم السياسي:

فقد فقدوا فريقهم بمجلس النواب، وتقلص عدد حقائبهم الوزارية من خمس (5) إلى اثنين (2)،  كما توالت الصفعات على خدودهم، و اهتزت صفوفهم الداخلية، وقد اتُّهموا بالتزوير في مؤتمراتهم ولقاءاتهم الوطنية، وغابت عنهم الديمقراطية والشفافية، و فقدوا مصداقيتهم، بل و أُهين أمينهم العام بإقالته من منصبه كوزير، واتُّهموا بالفشل الذريع في تدبيرهم للشأن العام، وعم الريع والفساد في القطاعات التي تولوا عليها ومسؤولية تدبيرها،  كما ان العديد من الأطر والكفاءات غادرت سفينة حزبهم، بعدما تبين لها الابتعاد كل البعد عن المبادئ التقدمية والاشتراكية التي من أجلها تأسس حزبهم، وأصبحوا اليوم في مهب الريح..

ومما لا شك فيه، أنه ستعصف بهم الانتخابات المقبلة إلى قاع مظلم الذي لن يروا النور بعده..
وإذا أصبح اليوم، الكل يعرف بأن "حكومة العثماني المريضة"، تضم "وزراء لا يستحقون حتى تسيير مطارح النفايات"، فمن أين سيأتي "بنعبد الله" بكفاءات يمكن استوزارها إن تقرر في آخر لحظة بقاؤه في الحكومة، أو تقرر بصفة استثنائية متابعة مشاركته في الحكومة إلى حين موعد الانتخابات المقبلة؟!!
وهل ما يسمونة أطرا من قبيل "كريم تاج" أو "فاطمة الشعبي" أو "محتات الرقاص" أو "مصطفى عديشان" أو "سعيد الفكاك" أو "عبد الرحيم بنصار" أوعدد آخر من أمثالهم، هم  فعلا ممن يمكن نعتهم بالأطر والكفاءات القادرة على تحمل مسؤوليات إنجاح البرنامج التنموي الجديد المرتقب الذي نادى به عاهل البلاد؟!!

لك الله يا وطني !..
والذي يزيد من استغرابنا، هو "تخراج العينين" عند هؤلاء الرفاق، ومتابعة الكذب على أنفسهم، وتغليط من لازال يؤمن بتحليلهم وتفسيرهم للأوضاع.. فرغم اعتراف قياديهم بأنهم مغادرون للحكومة لا محالة، وقناعة العديد من أطرهم بأنهم فشلوا في مهامهم، فإن القيادة اليوم، تعتبر بأن لا مشكل لديها في مغادرة الحكومة.. وما يزيد من الأمر أكثر استغرابا، هو أن هذه القيادة، وبدون حياء، تعتبر نفسها فخورة بما قدمه حزبها منذ أول مشاركة لها في الحكومة، انطلاقا من حكومة التناوب التي سبق أن ترأسها عبد الرحمان اليوسفي إلى يومنا هذا..
والكل يعلم أنه على صعيد كل القطاعات التي تولى تدبيرها وزراء حزب التقدم والاشتراكية، عرفت تراجعا وسوء تدبير وتعميما للفساد، وخير مثل على ما نقول، قطاع إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة الذي تنتمي إليه نقابة سماتشو، حيث نؤكد أن الأمور مع الرفاق ازدادت سوءًا، لقد عمّ الفساد، وعمّت المحسوبية والولائية في التوظيف والترقية والتعيين في المناصب السامية ومناصب المسؤولية، تعطلت المشاريع المبرمجة، وتم التوقيف في التخطيط والاستشراف، غابت عمليات التقييم وتصويب الأخطاء واستدراك النقائص والهفوات، رحم الوزارة أصابه العقم، فلا أفكار ولا مبادرات جديدة، كل الأهمية أعطيت لإبرام الصفقات والاتفاقيات وتنظيم التظاهرات واللقاءات القارية والدولية داخل المغرب وخارجه، كل السياسة السكنية تم اختصارها في عمليات التجديد والتزيين الحضري لفائدة المحظوظين من الجماعات الترابية سواء المنتمية منها للحزب أو ممن يعول عليها مستقبلا في الإنتخابات التشريعية  المقبلة .. القطاع يعرف ركودا وصلت حدته إلى درجات قياسية، من تهميش وإقصاء كفاءات الوزارة ومن تدبير الشأن الداخلي، واقتصر البحث عن المؤهلات الضعيفة والبسيطة مع استيراد البعض منها، بشرط أن تكون مطيعة خنوعة وقابلة لتنفيذ الأوامر بدون تردد أو عرقلة أو أدنى تحفظ أو مقاومة..


مرة أخرى، لك الله يا وطني ..

محمد مرفوق/ الكاتب العام لنقابة "سماتشو" ورئيس اتحاد النقابات المستقلة بالمغرب