كان النظام هو من يلجأ لإسقاط الجنسية عن مغاربة وطنيين قدموا الغالي والنفيس للوطن دون أن يتجملوا عليه، كما فعل مع الراحل أبراهام السرفاتي، ولم يسبق لمناضلين من عيار وازن أن طالبوا بالتخلي عن جنسيتهم، رغم أنهم ذاقوا الويلات في أحلك الظروف وسلطت عليهم الآلة القمعية كل أشكال العنف والسجن والتشريد والتعذيب، لأن الوطن والانتماء إليه ليس قرارا إداريا ولا سياسيا، إنه هذا الهواء الذي نتنفسه والتربة التي نتحرك فوقها، الجنسية ليست ورقة إدارية تسقط ببلاغ ولا لباس نغيره مثلما نغير جواربنا، الجنسية هي هذا الوطن..
أعتبر الأمر سذاجة سياسية لأنه يعيد النقاش حول محاكمة النوايا التي حملها بيان الأغلبية الحكومية ضد حراك الريف وتهمة الانفصال، ويبخس نضالات المغاربة في معركة طويلة امتدت لعقود في سبيل التحرر والديمقراطية.. الوطن ليس ملكا لأحد، والجنسية ليست مجرد رابط قانوني بين الفرد والدولة، وهذا الوطن الذي قدم العديدون أرواحهم وزهرات عمرهم في سبيل التحرر والتقدم والديمقراطية، ليس مجرد جواز سفر أو بطاقة وطنية بل هو تلك الظلال التي لا يراها سوى من اكتووا بعشق هذا الوطن الذي وإن لم نر منه نعيما ولا جنة خلد يظل حضننا الجماعي، حتى ولو كنا نتوسد فيه رصيف الشوارع لا وسائد ريش النعام..
لا يمكن الربط بن الجنسية والمخزن، وقرار إسقاط الجنسية الذي اتخذته مجموعة الخمس، خطأ استراتيجي يؤزم الملف بأسره ويضع عصا عريضة في عجلة المساعي لطي الملف، فهو ليس قرارا سياسيا ولا أداة للنضال الديمقراطي، مجرد يأس عام يعيدنا لدرجة الصفر، إن محاولة الابتعاد عن الحضن الاجتماعي لأي حركة نضالية يجعلها تقع في الأخطاء القاتلة ويحرمها من السند الاجتماعي والسياسي الذي يغذي القوى ذات المصلحة في التغيير، وما كان على مجموعة الخمس أن تزيد من عزلتها بعيدا، بعيدا خلف قضبان رمزية أخطر من قضبان السجون..
عذرا أخي ناصر، وعذرا أخي أبا ناصر، لا يمكن الدفع بأجيال إلى المحرقة كغطاء سيكولوجي على فشلكم وفشلنا كجيل.. فاليأس والارتجال هو ما يخنق كل حركة تغيير اجتماعي..