الشاوية تحتفي بعريس فن العيطة الحصباوية سليل عائلة الزراهنة الشيخ جمال الزرهوني

الشاوية تحتفي بعريس فن العيطة الحصباوية سليل عائلة الزراهنة الشيخ جمال الزرهوني جمال الزرهوني

بعيدا عن لغة الخشب، وبدون تردد يمكن أن أجزم بأن جمعية المغرب العميق لحماية التراث قد راكمت تجارب رائدة في مجال المحافظة على إرث تراث " فن لوتار" وتثمينه وتحصينه، منذ نشأة إطارها الثقافي المتميز سنة 2010 بعاصمة لوتار " الشاوية كاوتني "، برئاسة الأستاذ عبد الله الشخص المهووس بفن العيطة .

حجتي في هذه الخلاصة، اعتمدت على قراءة رزينة في صفحات تسع سنوات مشرقة في سماء مغربنا العميق، تسع سنوات من العطاء المتصاعد على سلم الارتقاء بكل مكونات تراثنا اللامادي على مستوى موروثنا الغنائي الشعبي في شق "فن العيطة" في علاقة وطيدة ومحسوبة بين أهرامات وأعلام وشيوخ هذا الفن الراقي والجميل، و آلة لوتار الساحرة، التي ضخت في عروق قلب الوطن دماء العشق على مر الأزمنة وسحرت الألباب، في تناغم متفرد مع الآلات الإيقاعية التراثية المرافقة للعزف والغناء.

إن الحس الوطني الراقي الذي يجمع بين كل مكونات وتشكيلة جمعية المغرب العميق لحماية التراث، لم ولن يخطئ أبدا في اختيارات فقرات برامج " مهرجان لوتار ـ إيقاعات المغرب "، ويمكن لأي متتبع أو ملاحظ لبيب أن يكتشف من خلال التراكمات المنجزة مع شركاء الجمعية خلال منجزات تسع سنوات،  أنها قد حققت أهدافها وترجمة شعاراتها، وتفوقت في تواصلها مع الجمهور العاشق لشيوخ العيطة الذين امتطوا صهوة " آلة لوتار" الساحرة، مقتفية أثرهم الجميل عبر ربوع مغرب الإيقاع والنغم الجميل.

ألم تكن ذات الجمعية وإطاراتها الفكرية سببا رئيسيا في تأسيس ورد الاعتبار لآلة لوتار وإيقاعات المغرب، من خلال أول تظاهرة لمهرجانها الوطني؟ ألم تكن هي العلامة المسجلة في صفحات المساهمة والإنتاج لسمفونية الحصبة، وسمفونية نجوم لوتار، وسمفونية إيقاعات المغرب، وإعادة تقديم سمفونية الأطلس؟

ألم تكن جمعية المغرب العميق لحماية التراث بعاصمة الشاوية هي السباقة إلى ولادة وإبداع " اللوحة الفنية التراثية " الرائعة التي مزجت بين نغم العيطة الأطلسية والعيطة الحصباوية التي قدمها الشيخين والفنانين ميلود الداهمو ومحمد مغني على خشبة مهرجانها الوطني الذي تلاقح فيه الفن الأمازيغي مع العيطة فن الحصباوي.؟

من المؤكد أن لائحة المكرمين والمحتفى بهم سنويا طويلة، سواء على مستوى حاملي مشعل البحث والتنقيب والنبش في الموروث الثقافي الشعبي لآلة لوتار، أو على مستوى شيوخ وشيخات العيطة من مختلف مناطق مغربنا العميق، والصناع التقليديين، دون أن ننسى التراكمات الفكرية والنقدية التي دونتها الجمعية بمداد من الفخر على صفحات التوثيق مع شركائها بوزارة الثقافة والاتصال، وكذلك المؤسسات المنتخبة وقطاعات ذات الاهتمام المشترك.

نعم، إن سجل الجمعية حافل بالمنجزات التي ساهمت في رد الاعتبار لفن العيطة بشكل عام، وآلة لوتار بشكل خاص، حيث نستحضر اليوم في الدورة التاسعة برسم سنة 2019 لائحة المكرمين من أمثال ( الشيخ ولد قدور ـ الراحل الفنان العملاق فريد الأطلس السي محمد رويشة ـ الثنائي قشبل وزروال ـ الشيخ محمد عويسة ـ النظام أوهاشم بوعزة ـ المرحوم الشيخ لعربي الكزار ـ مولود أوحموش رفيق درب الراحل الفنان السي محمد رويشة ـ الشيخ ميلود الداهمو ـ الشيخ العربي الغازي ـ الفنانة شريفة ـ الفنان لهرم محمد مغني ـ الشيخ بن غانم مصطفى ولد لبصير ـ الشيخ لمير المعزوزي ـ الفنان المقتدر عابدين الزرهوني ..)، فضلا عن تكريم الصانع التقليدي المختص في صناعة آلة لوتار أحمد بوجمل، بالإضافة إلى الباحث المقتدر في التراث اللامادي الأستاذ إدريس الكيسي.

إن تكريم الشيخ جمال الدين الزرهوني بالنسخة التاسعة لمهرجان لوتار إيقاعات المغرب، في نسخته التاسعة في الفترة الممتدة من 29 إلى 31 غشت الجاري، و التي تتزامن واحتفالات الشعب المغربي عامة وساكنة سطات خاصة لتخليد لثورة الملك والشعب واحتفاء بذكرى ميلاد صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله. هو تكريم لشجرة أنساب "الزراهنة " التي ينتمي إليها الشيخ جمال الزرهوني، وهو اعتراف برحم ولاد، لرواد العيطة الحصباوية بالمجال الجغرافي لمنطقة عبدة برمتها، وهو أيضا تكريم لشيوخ العيطة قاطبة. الأحياء منهم والذين اختارهم الله بجانبه كذلك.

عريس الدورة التاسعة لمهرجان لوتار الشيخ جمال الزرهوني، وفي إطار ثقافة وسلوك الاعتراف التي تنهجها ذات الجمعية، يستحق هذه الالتفاتة من عاصمة لوتار، ومن جمعية المغرب العميق لحماية التراث، لأنه حمل على عاتقه منذ سنوات، ثقل المسؤولية الفنية لتنقية نصوص العيطة الحصباوية من الزوائد والشوائب، وحصنها ضد التشويه الذي لحقها من الدخلاء، واشتغل بصبر وبمهنة " الصنايعي " المتمرس لإبراز الثروة اللامادية لآلة لوتار، وفن العطية الحصباوية.

إن الفنان جمال الزرهوني لم يختر الارتقاء بفن العيطة عبثا، أو صدفة، بل أنه دخل غمار هذا التحدي، بعد أن ورث سر العزف والغناء عن عائلة الزراهنة، وسافر عبر سواحل البحار كسفير لألة لوتار التي رافقته إلى أغلب دول العالم ليستكشف عوالم الغربة في علاقة " الشيخ بالبحر"، ونسج علاقات صداقة مع الباحثين والمفكرين والصحافيين ورواد فن العيطة، وتسلح بمتون فن العطية ليجيب عن سؤال الموروث الثقافي الشعبي بمعية ثلة من مرافقيه المهووسين بفن العيطة.

إن تكريم الهرم الزرهوني، هو تكريم لذاكرة فن العيطة الحصباوية، وتكريم " للزاوية الوترية " بعبدة الساحرة، المفتوحة أبوابها على مصراعيها لاستقبال زوار الحصبة "زينة السمية".

على سبيل الختم : في كتاباته التاريخية  يذكر الباحث الأستاذ ابراهيم كريدية أن القائد الزرهوني محمد بن امحمد بن ملوك، أو ما يعرف ب "سي الزرهوني بن الحاج محمد بن ملوك"، أو "القائد الزرهوني الكبير"، كمـا يدعوه أهله وعشيرته، وهو نجل الشيخ محمد بن ملوك الذي تزعم ثورة أولاد زيذ ضد القايد عيسى بن عمر، ارتقى منصب القيادة في مستهل عهد الحماية الفرنسية سنة 1331ه/1913م ، فشمل بحكم إدارته البحاترة الشمالية، وضمنها فخذات أولاد زيد والزع والجحوش، ثم أضيفت إلى قيادته سنة 1919 مضارب فخذة "ثمرة"، كان مزواجا وبين زوجاته التسعة كانت كريمة القائد أحمد بكر القائد عيسى بن عمر وقد رزق منهن بكثير من الأنجال، ويعده الفقيه الكانوني "من أفاضل العمال وأحسنهم سيرة وأكثرهم تواضعا وفضلا ومحبة في العلم وأهله"، حتى أنه من شديد حبه وعطفه على العلماء، خص علماء آسفي "براتب سنوي"، وذكره أحمد الصبيحي في مخطوطه "نظارة الأحباس" فقال عنه : "رجل حسن الخلق"، توفي رحمه الله في شهر فبراير 1970.