الورياشي: عن الجنسية وما يثار عنها من نقاش

الورياشي: عن الجنسية وما يثار عنها من نقاش قيس مرزوق الورياشي
أثار قرار مجموعة من معتقلي حراك الريف التنازل عن جنسيتهم نقاشاً حاداً بين من يرى القرار كرد فعل لإعادة الاعتبار للشباب المعتقل على أساس أنهم معتقلون سياسيون وليسوا معتقلي الحق العام، وأن حل مشكلتهم ينبغي أن تكون سياسية، وبين من يرى أن القرار غير صائب ويزيد في تعميق الأزمة.
لفهم إشكالية الجنسية وما يتبعها من تفاصيل أفضل شخصياً الانطلاق من بعض الأمور:
أولاً، الجنسية هي ترجمة غير صائبة لمفهوم "ناسيوناليتي"، هذا الأخير مشتق من "ناسيون" التي تعني الوطن، وهكذا، فناسيوناليتي مرتبطة بالوطن والوطنية، بينما الجنسية مرتبطة بالجنس، أي العرق. نعم، لقد جرت العادة أن نطلق "الجنسية" على "ناسيوناليتي"، ولكن في الحالة العربية فإن حمولة الوطن والوطنية تنتفي، ضمنياً، من المفهوم.
غياب العلاقة بين "الجنسية" والوطن والوطنية هي التي تجعل كثيراً من المغاربة، ينظرون إلى "جنسيتهم" خارج مبدإ الوطنية. وبغض النظر عن التعبئة الظرفية التي يخرج فيها آلاف، بل أحياناً مئات الآلاف من المغاربة، للتعبير عن "وطنيتهم"، فإن سلوكات كثيرة تعبر عن نقيض ما يراد من التعبئة تلك:
أولاً، ظاهرة "الحريك"، التي تتزايد عند المغاربة، وكأننا في حالة حرب. إنه بالرغم من انتشار الحروب والمجاعات في عدد من الدول الإفريقية جنوب الصحراء، فإن عدد المهاجرين في أروبا، الذين يفدون إليها من هذه الدول مجتمعة، هو أقل بكثير من عدد المهاجرين المغاربة. وهناك معطى ذو دلالة سياسية وسوسيولوجية: لماذا لا يهاجر الموريطانيون، بالرغم من كون مستوى معيشتهم أقل بكثير من المغاربة؟
ثانياً، كثير من المغاربة، للتعبير عن يأسهم، تراهم يغضبون ويطلقون عبارات تدل على قمة اليأس: "نمشي إسرائيل أوما نبقاش ف هاذ لبلاد"، مع العلم أن المغاربة من أشد المعارضين للدولة الصهيونية. هذا مجرد مثال، وفي الواقع، هناك أمثلة عديدة للتعبير عن أقصى حالات التذمر.
ثالثاً، كثير من مغاربة الخارج المجنّسين يعتزون بجنسيتهم الجديدة أكثر من جنسيتهم الأصلية، وعندما يزورون بلدهم، لا ينفكون في إشهار جوازهم "الأجنبي" والافتخار به.
رابعاً، وهذه النقطة هي الأخطر، هناك ميل متزايد لدى كثير من المسؤولين الكبار (في الدولة كما في الأحزاب والشركات) ولدى بعض الصحفيين "الكبار"، إلى "شراء" الجنسيات الأجنبية، وذلك لضمان حصانة سياسية وأمنية أكثر من تلك التي تضمنها دولتهم الأصلية، في اعتقادهم.
هل الجنسية هي بطاقة تعريف؟ هل الجنسية هي جواز سفر؟ هل الجنسية اختيار أم إجبار؟ هل هي من "الجنس" أم من "الوطن"؟ هل هي انتماء إلى تراب؟ ثم ماذا عن المغاربة الذين لا يملكون ولو متراً واحد من أرض هذا الوطن؟ هل هم مغاربة فعلاً؟ 
شباب الريف الذين تم اعتقالهم، عن سوء فهم أم لحاجة استراتيجية معينة، هم بدون شك أشد ارتباطاً بوطنهم وأشد اعتزازاً به من "السياسيين" ورجال الأعمال المجنّسين الذين يبيعون وطنهم بالتقسيط. وما قرارهم التخلي عن جنسيتهم (وليس وطنيتهم) إلا تعبيراً عن أقصى حالات التذمر من حرمانهم من الحرية عن التعبير عن وطنيتهم بالطريقة التي يرونها ملائمة، هذه الحرية الي يستفيد منها جزء من النافذين المجنّسين الذين قد يكونون وراء اعتقالهم وإهانتهم في وطنهم الذي من أجله يؤدون ضريبة صرخاتهم. 
لي قناعة أن شباب حراك الريف لن يتنازلوا عن وطنهم، وأن شعورهم بالحالة القصوى من التذمر قد تكون بداية لانفراج قريب، لأن المغرب لنا جميعاً، ويسعنا جميعاً، بما في ذلك جبهته المتوسطية التي هي الريف.