إدريس لكريني: الاتحاد المغاربي والمتغيرات السياسية

إدريس لكريني: الاتحاد المغاربي والمتغيرات السياسية إدريس لكريني

بعد الحراك الاجتماعي والسياسي الذي عمّ عدداً من دول المنطقة المغاربية عام 2011، محدثاً رجّات متباينة، من حيث تداعياتها وحدّتها داخل تونس وليبيا والمغرب والجزائر، طرح السؤال حينها حول مدى انعكاسات هذه التطورات على مسار الاتحاد المغاربي، وما إذا كانت ستوفر بالفعل المناخ الأنسب للدفع بعجلة الاتحاد نحو الأمام، خصوصاً أن دستوري المغرب (لعام 2011) وتونس (لعام 2014) أكدا الانتماء المغاربي وأهمية تعزيز هذا البناء كخيار استراتيجي.. غير أن تتابع الأحداث ودخول ليبيا في متاهات العنف والصراع.. إلى جانب عوامل أخرى، أسهمت بصورة واضحة في تكريس الجمود مرة أخرى.
ويتجدّد طرح السؤال مع التحولات والمتغيرات السياسية التي باتت تشهدها المنطقة المغاربية في السنوات الأخيرة، بدءاً بالحراك الجزائري القائم وما رافقه من مبادرات سياسية مهمة، سمحت بوصول نخب جديدة للحكم بتصورات لسياسات داخلية وخارجية لا تخلو من أهمية.. بعد مغادرة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة الذي عمّر على رأس السلطة في البلاد زهاء عقدين من الزمن، مروراً بتنظيم انتخابات رئاسية في موريتانيا حملت محمد ولد الغزواني إلى رئاسة البلاد ببرنامج طموح على الصعيدين الداخلي والخارجي، وصولاً إلى تراكم المكتسبات السياسية والتشريعية في تونس، والاستعدادات الجارية على قدم وساق لإجراء انتخابات رئاسية بعد رحيل الرئيس السابق الباجي قائد السبسي.. وتوالي الدعوات الرسمية وغير الرسمية في المغرب إلى تفعيل آليات الاتحاد واتفاقاته المبرمة، وإلى فتح الحدود المغربية الجزائرية وطي الخلافات بين الجارين.
على الرغم من إحداثه في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، في مرحلة حبلى بالتحديات والمتغيرات الكبرى التي عرفها العالم في أعقاب انهيار جدار برلين رمز الحرب الباردة، وتراجع البعد الأيديولوجي في العلاقات الدولية على حساب البعد الاقتصادي الذي دفع الكثير من الدول إلى التكتل ضمن تجمعات دولية وإقليمية كبرى.. لم تكن انطلاقة الاتحاد بالدينامية المطلوبة، كما لم تكن حصيلته على امتداد أكثر من ثلاثين سنة في مستوى التحديات المطروحة، والانتظارات والآمال المعلّقة.

واستحضاراً لتجارب دولية رائدة في مجال التكتل، يمكن التأكيد أن ثمة علاقة وطيدة بين تعزيز الممارسة الديمقراطية من جهة، وإرساء تكتلات أكثر فاعلية وديمقراطية من جهة أخرى. ومن هذا المنطلق يظهر أن الاتحاد المغاربي الذي أُسّس بموجب معاهدة مراكش المبرمة بتاريخ ال 17 من فبراير / شباط 1989 تأثر بالظروف السياسية الداخلية للدول المغاربية التي أفرزته.. ذلك أن ولادته القانونية لم تكن طبيعية إذا استحضرنا حجم اللقاءات والتنسيقات التي بادر إليها الكثير من الأحزاب الوطنية والشخصيات التاريخية المغاربية، رغبة في استثمار وتوظيف الإمكانات المتوافرة لكسب رهانات التنمية والديمقراطية، وتحصين الذات ضد الأطماع الخارجية المتزايدة.
إن ما يدعم طرح سؤال مستقبل الاتحاد المغاربي على ضوء المستجدات السياسية الراهنة في المنطقة المغاربية، هو تزايد الوعي الشعبي بأهمية تفعيل الاتحاد كسبيل للخروج من حالة التبعية الاقتصادية والأزمات الاجتماعية التي تعيش على إيقاعها العديد من دول المنطقة، على الرغم من الإمكانات الضخمة المتوافرة، وهو ما تترجمه النقاشات التي طرحتها الكثير من جمعيات المجتمع المدني، وشبكات التواصل الاجتماعي داخل هذه البلدان، وبخاصة في كل من المغرب والجزائر.. فضلاً عن النقاشات الأخرى التي باتت تطرحها الكثير من النخب الجديدة التي أفرزتها التحولات السياسية في كل من الجزائر وتونس وموريتانيا.
تزداد أهمية وضرورة تفعيل الاتحاد المغاربي مع حالة التشتت القائم التي فوّتت على المنطقة برمتها فرصاً عديدة في تبوؤ مكانة تليق بها في هذا العالم المتغيّر، حيث أظهرت إحصاءات اقتصادية أن دول المنطقة تخسر نحو عشرة مليارات دولار سنوياً، أي ما يعادل نحو 2% من ناتجها القومي الإجمالي، نتيجة لغياب التنسيق في المواقف الخارجية، وتعثر قيام سوق مغاربية مشتركة.
لقد حرم جمود اتحاد الدول المغاربية شعوبها من الاستفادة من مختلف الاستثمارات البينية أو الدولية التي تعد مدخلاً للقضاء على عدد من الإكراهات الاجتماعية المطروحة، ولإعادة الأمل إلى نفوس الشباب المغاربي المحبط، والذي يفضل العديد منه خيار الهجرة أو الارتماء في أحضان التطرف و«الإرهاب».
على الرغم من الصعوبات الواقعية التي تعتري تطوير الاتحاد المغاربي، فإن التحولات السياسية الجارية في المنطقة، وما ينتظر أن تفرزه من قرارات ومبادرات حاسمة، تحيل إلى قدر من التفاؤل، ذلك أن ترسيخ الممارسة الديمقراطية داخل الأقطار المغاربية وضمن ضوابط وممارسات الاتحاد، يعدّ أحد المداخل الرئيسية والمهمة على طريق بناء الاتحاد على أسس متينة، في مستوى الإمكانات المتاحة والتحديات المطروحة.

المصدر: موقع الخليج