الشمسي: تعقيبا على تنسيقية المرشحين لمزاولة المحاماة .. المهنة تكلف العمر وليس فقط المال

الشمسي: تعقيبا على تنسيقية المرشحين لمزاولة المحاماة .. المهنة تكلف العمر وليس فقط المال محمد الشمسي 
شدتني رسالة موجهة من تنسيقية تمثل فوجا من حملة شهادة الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة إلى رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب ، من حيث شكلها ومن حيث مضمونها :
 فمن حيث الشكل :
افتقدت الرسالة للعناية والتنظيم على مستوى الإخراج والتصفيف وبنط الخط ، ومن خلال استهلالها ب "سلام تام .."، مما جعلها أقرب إلى الشكايات والرسائل التي يحررها الكتاب العموميون ـ مع كل الاحترام للكتاب العموميين ـ ثم إنها مرفوعة  بحسب مقدمتها لرئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب لكنها سرعان ما وجهت خطابها إلى السيد النقيب ، دون تحديد أي النقباء تقصد ، ثم إن محرريها ارتأوا عنونتها ب"رسالة" بما تحمله الكلمة من معنى ، فهي ليست طلبا ولا ملتمسا ولا تظلما ولا شكاية ولا استفسارا ولا طلب مقابلة  .
ولأن محرري تلك "الرسالة" تفوقوا في امتحان مزاولة مهنة المحاماة ، فإن مستوياتهم العلمية الجامعية لا تغفر لهم أن يصوغوا رسالتهم تلك على شكلها وعلى حالتها التي وردت في عدد من مواقع التواصل الاجتماعي .
ومن حيث المضمون : 
أولا : لقد تناولت الرسالة قراءة خاصة للفصل 20 من القانون المنظم لمهنة المحاماة ، واعتبر أهل الرسالة أن المادة المذكورة تعني المحامين الذين أنهوا فترة التمرين ، وأنها لا تعنيهم كمرشحين لمزاولة مهنة المحاماة ، وبالتبعية فقد اعتبرت الرسالة أن تطبيق المادة 20 المذكورة في حقهم يرقى الى درجة "عدم القانونية" ، وفي هذه الحالة كان يتوجب على أهل الرسالة اللجوء إلى القضاء للطعن في قرار هيئات المحامين وليس رفع رسالة إلى رئيس جمعية هيئات المحامين لإخباره أن المادة 20 "غير قانونية" .
ثانيا : وصفت الرسالة تحديد المبلغ المحدد من طرف هيئات المحامين في حق المرشحين لمزاولة مهنة المحاماة ب"المغالاة" ، دون أن توضح الرسالة المعايير التي اعتمدها أصحابها في هذا الوصف أو عناصر المقارنة ، وكأني بهم يرغبون في الدخول المجاني لممارسة المهنة ، متجاهلين ما تتكبده الهيئات المهنية من تبعات مالية تخص كل محام ، بداية من عقود تأمينه ، ولعل الاختفاء خلف ما يسمى ب"الظروف الاجتماعية" وخلف  صفة "أبناء الطبقة الفقيرة" هو تبرير فضفاض وشمولي ، فمن أبسط مبادئ تكافؤ الفرص أن يسري على الجيل الحالي من المرشحين لمزاولة مهنة المحاماة نفس ما طال نظرائهم أو ـ زملائهم بعد أداء اليمين ـ .
ثالثا : اعتبرت الرسالة أن هيئات المحامين تريد "إقصاء المرشحين للتمرين من أبناء الطبقة الفقيرة العاجزين عن الأداء لواجبات الانخراط دفعة واحدة " ، وهذه طريقة تواصلية غير طيبة وغير مهنية ، لأن الإقصاء يعني الإبعاد والفصل والتنحية ، وهي صفات تحمل في ثناياها قصدا ونية وعمدا ، وهذا لا يليق وصفا لجمعيات هيئات المحامين ، أو خطابا يوجه إلى السيد النقيب ، وأما قول الرسالة أن "المغالاة" في تحديد واجب الاشتراك هو وسيلة لإنقاص عدد المترشحين وإقصاء فئة اجتماعية من أبناء الطبقة الفقيرة" ، فهذه الملاحظة تنم عن قصور في إدراك المغزى من واجب الاشتراك كما سلف القول، ثم إن وزارة العدل هي المسئولة عن مستقبل من منحتهم شهادة الأهلية ، وليس جمعيات هيآت المحامين التي لم تلزم أحدا بالانخراط فيها .
رابعا : بعد أن بسط أهل الرسالة دفوعاتهم الثلاثة انتقلوا إلى ما يفترض أنه "ملتمس" ، لكنهم أوردوه في شكل "مطالب" ، وعادوا لاستعمال عبارة "الإقصاء" بحمولتها القدحية ، مع طلب تخفيض ( وردت كلمة تخفيض في الرسالة مشوبة بخطأ إملائي (تخفيظ) ) ، مقدار واجبات الانخراط  وذلك "إلى الحد المعقول " بحسب تعبير الرسالة و"الذي لا يتناقض مع روح القانون " ـ والقول لأهل الرسالة ـ ، وهنا يقع أهل الرسالة في تناقض ، فهم متيقنون من"لا قانونية واجب الانخراط في حق المرشح للمهنة" ، وبالتالي يتعين عليهم اللجوء للقضاء للحسم في القانونية من عدمها ، لكنهم يطلبون تخفيضا لتلك الواجبات المالية ، وبهذا خلطوا ما بين الاستعطاف والرجاء وما بين الموقف القانوني المزعوم ، ليأتي طلب أصحاب الرسالة تقسيط الواجبات المالية فيؤكد اقتناعهم بقانونيتها وحتميتها ويضرب دفعهم ب"لاقانونيتها " .
في الختام :
يا سادة ويا سيدات ، إصلاح حال مهنة المحاماة ليس بالتنسيقيات ولا برسائل الإعفاء أو التقسيط ، ولا بعبارات خادشة وخاطئة ، فكما للعبادة فرائضها وسننها ، فلكل مهنة مستلزماتها وشروطها يسنها أهلها الأدرى بشعابها ، ولن يكون هذا الفوج أكثر فطنة أو حاجة ممن سبقوه من الأجيال ، فلكم دفعوا الملايين من أجل "هجرة سرية" أو "زواج أبيض" أو "عقد عمل وهمي" ، لكن يبقى حقهم في المحاولة مكفولا مع مراعاة أدب الخطاب وتقنية التواصل ، فالمحاماة كانت وستظل قاعدة لحرية التعبير، والمهنة تكلف صاحبها عمره وزهرة شبابه  وليس فقط مالا فانيا يمكن تحصيله كما يمكن تعويضه.