أريري: لوكان علي العسري برلمانيا في ثلاثينيات القرن العشرين لتم حرقه

أريري: لوكان علي العسري برلمانيا في ثلاثينيات القرن العشرين لتم حرقه البرلماني البيجيدي علي العسري مع صورة تظهر جانبا من العمل التطوعي للشابات البلجيكيات

في سياق الجدل الدائر حول الموقف الداعشي للبرلماني البيجيدي، علي العسري، ضد البلجيكيات المتطوعات، حيث لم ير البرلماني الأصولي في هذا العمل التطوعي سوى لباس البلجيكيات الذي اعتبره سفورا وتبرجا.

على هامش هذه النازلة تعيد “أنفاس بريس” نشر مقال سبق لي أن نشرته بجريدة الاتحاد الاشتراكي يوم 14 يوليوز 2001، يوم هاج الزعيم الأصولي عبد الإلاه بنكيران، آنذاك، وثار على الزميلة أمينة خباب، مصورة القناة الثانية، مطالبا بطردها من البرلمان بسبب سروال “الجينز” الذي ترتديه. وهو المقال الذي يستحضر كيف أن اللباس الحالي للبرلماني الأصولي العسري، كان إلى وقت قريب يرمز بالمغرب إلى الفجور والمثلية والزندقة والكفر.

 

"لو كان عبد الاله بنكيران (فريق العدالة والتنمية) «نائبا» برلمانيا في الثلاثينات لتم «حرقه» من طرف بعض العلماء المغاربة المتزمتين بدعوى أنه يلبس البانطلون والقميص، ذلك أن السروال كان يرمز آنذاك في عهد الاستعمار -في نظر هؤلاء المتزمتين- إلى اللباس الإفرنجي ويظهر «عورة» المرء. فاللباس «السني» حسب بعض فقهاء ذلك الزمن، يستدعي من المرء ألا يمشي عاري الرأس، بل يجب، في نظرهم، أن يضع العمامة على رأسه، حتى يتم تمييز «المسلم» السني عن الإفرنجي (أي المستعمر).

 

وإذا كان بعض العلماء في المغرب -أثناء أزمة الظهير البربري في عهد الاستعمار- حددوا اللباس كرمز لتحديد الهوية، فإن محاولة إحياء عبد الالاه بنكيران لهذا الفكر الشمولي يدخل في خانة الفاشية، إذ أن «انتفاضة» هذا «النائب» ضد الزميلة أمينة خباب المصورة الصحفية بقناة دوزيم داخل قبة البرلمان، بمبرر أنها ترتدي زيا غير «سني» لا يمكن تبويبها (أي الانتفاضة) إلا في باب الفاشية.

 

فالفكر الفاشستي يهتم أكثر بالعناصر الخارجية، خاصة الهندام، حتى يتسنى تمييز المنتمين للحركات الإرهابية عن باقي المواطنين العاديين. وهكذا نرى حركة «كوكسكلان» النازية مثلا تفرض لباسا خاصا على المنتمين إليها، وكذا حركة «حليقي الرؤوس» (سكينهاد) التي تلزم المنتسب اليها بحلق شعره. فالفاشية مذهب يتحكم في أذواق ورغبات الناس ويقوم بالأساس على قولبة كل المواطنين في قالب واحد!

 

وإذا كان كل مواطن حرا في حياته الخاصة وحرا في اختيار نوع وألوان لباسه، فإن الاختلاف لا ينهض كحجة ليتحول عبد الإله بنكيران -ومن في حكمه- من برلماني إلى بوليس أخلاقي يحمل السوط لجلد هذا أو تلك، لا لشيء إلا لأن عيون «نائبنا» لا تطيق رؤية الجمال ورؤية الاختلاف في المجتمع!

 

وعلى افتراض (وأشدد على لفظة الافتراض) أن عبد الإله بنكيران له وجهة نظر خاصة وتطلع إلى إعمال طقوس معينة داخل البرلمان، فإن وضعيته كـ «نائب برلماني» تحتم عليه أن يكون أول الملتزمين بالمساطر والقوانين (المفروض أنه يساهم في تشريعها!) فالنائب الذي يحترم صفته يحمل قلما وورقة ويكتب رسالة لرئيس البرلمان يقترح عليه دراسة طلب إخضاع كل المتعاملين مع المؤسسة التشريعية لطقس معين! أما أن ينقض على امرأة (وهو سلوك يحط من كرامة كل رجل في ثقافتنا الشعبية) وبشكل عدواني، فذاك هو قمة الانحطاط الذي آل اليه جزء من «نخبتنا».

 

إن حادثة المس بالحقوق الشخصية للصحافية أمينة خباب من طرف عبد الإله بنكيران -ومن يسانده- يشكل إنذارا للخطر الذي يزحف على قيمنا ومجتمعنا في حالة ما إذا استتب الأمر لمثل هذا النوع من معتنقي الفكر الشمولي، وسيجعلنا نندحر 20 أو 30 سنة ضوئية إلى الوراء. فحتى إيران التي كانت «مثالا» يقتدى به في هذا المجال أصبحت تعرف تململا اجتماعيا وتراجعا عن هذا التزمت بعد أن ضاعت من عمرها 20 سنة، حيث صارت النساء يتحررن من أغلال «القولبة» وارتداء ألبسة (مفهوم الحشمة نسبي حسب المجتمعات) تتناسب وأذواقهن وليس وفق ذوق الفاشيين.

 

إن البرلمان مؤسسة للتشريع لحل المعضلات الحقيقية في الدولة وليس مستشفى لتشخيص الأمراض النفسية تجاه المرأة لدى نواب معينين.

 

فالمغاربة يشكلون مللا ونحلا -ليس بالمفهوم الديني- ولا يحق لأي واحد أن ينتصب مدعيا بأنه الناطق باسم المجتمع برمته. وإذا كان عبد الإله بنكيران يظن أن السياسة هي محاربة امرأة صحافية ترتدي لباسا عاديا لم يعجبه، فما علينا إلا أن نطالب بمراجعة الدستور لتعديل اختصاصات نوابنا، ليفتوا لنا مثلا في: هل يجوز أكل السردين المقلي في زيت الزيتون أو زيت أركَان؟ وهل يجوز للطفلة أن ترتدي سروال علي أو سروال حادة؟ وهل إرضاع الوليد من الثدي الأيسر لا يؤثر على قدرته الإنجابية حينما يبلغ؟ وهل «المسلم» السني عليه أن يلبس الحذاء المصنوع من جلد طالياني أو المصنوع من جلد باكستاني؟ وهل «المسلم» السني عليه أن يطلب الهداية من الله لبعض نواب الأمة ذوي الفكر الشمولي أم هو الذي يطلب اللطيف حتى لا تتحول مؤسساتنا وشوارعنا وشواطئنا الى فضاءات تتحكم فيها وتحكمها الأفكار والأمزجة الظلامية؟"