سعيد جعفر: لماذا يحترم المغاربة عبد الرحمان اليوسفي؟

سعيد جعفر: لماذا يحترم المغاربة عبد الرحمان اليوسفي؟ عبد الرحمان اليوسفي (يسارا) وسعيد جعفر

سأبدأ من الناس البسطاء ممن عبروا عن احترام خاص للسي عبد الرحمان، سائق الطاكسي ومول الحانوت ونادل المقهى والفلاح وبائع السجائر بالتقسيط ومؤذن وإمام المسجد وبائع السندويتشات والمقدم والنجار والخياط ومول البيسري؛ وصولا إلى الموظف العمومي والأستاذ والأجير والمحامي والطبيب والمهندس ولاعب كرة القدم والصحافيون؛ مرورا بالسياسيين وزعماء الأحزاب السياسية والشخصيات الأجنبية من رؤساء حكومات ومعارضين؛ وصولا إلى الملك محمد السادس الذي يخصه بمكانة خاصة جدا ويكرمه بأوسمة من نوع خاص وهو يطلق اسمه -وهو على قيد الحياة- على شوارع وعلى دفعات في الجيش.

 

ما الذي يجعل المغاربة، ذكورا وإناثا، يستوون في هذا الاحترام والتقدير الذي يصل درجة الحب؟

 

المغاربة شعب ذكي وواقعي، وبالقدر الذي يسعون للأحسن والأفضل فهم يفكرون بواقعية. يريدون تغيير ظروف عيشهم وعيش أبنائهم، لكنهم يزنون جيدا قيمة الاستقرار السياسي والاقتصادي في بلادهم. يحبون أن تتقدم البلاد، لكنهم منضبطون لوتيرة هذا التطور.

 

المغاربة يميزون جيدا بين الجيد والسيء، الصالح والطالح، الهادئ والمنفعل، الصادق والكاذب، الواقعي والشعبوي؛ ولهذا تجدهم يعطون تقديرا خاصا للشخص الهادئ والرزين لذا يحتفظون له بمكان خاص في مذكراتهم وفي مخيلتهم.

 

المغاربة يعرفون جيدا من هو الوطني حقا ممن هو الوطني بطريقته!، ولذا تجدهم يتفقون على أسماء يحبونها ويخلدونها وأخرى يحترمونها ويقدرونها.

 

المغاربة يملكون نفسا طويلا في الاختبار ولهذا في الوقت الذي يستمرون طويلا في حب أشخاص ينفضون آخرين بسرعة أكبر.

 

عمر السي عبد الرحمان تجاوز التسعين بدأ السياسة منذ نهاية الثلاثينيات، وأنهاها بطريقته الراقية في 2002. ورغم أن الأجيال التي ولدت في أواخر التسعينيات من القرن 20 وما تلاها لم يعايشوا اليوسفي، إلا أنهم يحترمونه، ربما ارتباطا بتكريم ملك البلاد له، أو لأن الأنترنيت يساعدهم على معرفته أكبر...

ويحظى السي عبد الرحمان باحترام كبير من مجايليه، الذين وجدوه يمارس السياسة معارضا ووزيرا أولا، وكذلك من كل الطبقة السياسية.

 

ما هي هذه الكيمياء التي يتوفر عليها السي عبد الرحمان تجعله محترما ومحبوبا ولا تتوفر في زعماء آخرين؟

 

عرف السي عبد الرحمان بثلاث صفات طالما تجتمع في شخص واحد: صمته وهدوءه، وحكمته، وزهده.

في المعارضة كان لا يتكلم إلا في اللحظات الصعبة، إما منبها أو مقترحا أو مرافعا في هدوء تام، لا يريد شعبوية أو طلب "البوز".

 

لم ينفعل السي عبد الرحمان أو ينجر للاتهامات والاتهامات المضادة وللفئوية والحلقيات، ورغم أنه عانى، خصوصا من الأحكام الثقيلة التي حوكم والاتهامات بالتدبير للانقلاب ضد النظام السياسي، ورغم أنه عانى من ممارسات نائبه السي محمد اليازغي وفريقه ومن آفاقية وطوباية السي محمد نوبير الأموي وجناحه النقابي، فإنه كان حكيما، وتصرف دائما بالحكمة.

 

وعندما تم تعيين السيد إدريس جطو وزيرا أولا، رغم أن الاتحاد الاشتراكي حل أولا في تشريعيات 2002، فإن السي عبد الرحمان تصرف كوطني كبير ورجل دولة رزين، تماما مثلما تصرف عندما لبى نداء إنقاذ البلاد من السكتة القلبية الاقتصادية، وأعلن من مقر الاتحاد الأوروبي ببروكسيل ما يمكن أن نسميه ما كان يجب فعله، وذلك برزانة كبيرة ووطنية عالية.

ليختار رحلة صمت الكبار الذين يثيرون عدم تغليب مصلحة فرد على مصلحة وطن وجماعة.

 

لم أشأ أن أدخل في موضوع منجزات السي عبد الرحمان كوزير أول لأن شهادتي لن تكون موضوعية، وأستأنس هنا فقط بشهادات زملاء لي في التدريس وهم يقارنون وضعيتهم المادية بين فترة مسؤولية السي عبد الرحمان وما قبلها وما بعدها.

 

بوركت السي عبد الرحمان ومتعك الله بالصحة وطول العمر؛

وسأستمر في احترامك وتقديرك والاستلهام من سيرتك.