من وحي تكريم الملك لليوسفي: سيرة الدم والمجد للقوات المسلحة الملكية

من وحي تكريم الملك لليوسفي: سيرة الدم والمجد للقوات المسلحة الملكية الملك محمد السادس لدى ترؤسه لحفل تخرج الضباط رفقة الأميرين مولاي الحسن ومولاي رشيد. وفي يسار الصورة عبد الرحمان اليوسفي
في دراسة حول «إدارة الدفاع الوطني» لاحظ الأستاذ عبد العزيز الجزولي أن النصوص المؤطرة للجيش، سواء تلك الصادرة قبل دستور 1962 أو في ظله بعد فرض حالة الاستثناء أو ما بعد الانقلابات العسكرية، كلها نصوص من إنتاج ملكي خالص وبدون أن يكون فيها للبرلمان أي نصيب.
ولا عجب في ذلك ما دام  الملك يخصص أربع ساعات يوميا لأمور الجيش، أي ربع الميزانية الزمنية التي يخصصها رئيس الدولة لشؤون البلاد، بالنظر إلى أن هذه الميزانية الزمنية تتناسب مع ما يلتهمه الجيش من موارد (خمس ميزانية البلاد) وتتناسب مع العدد الهائل من الموظفين العموميين (ربع موظفي الدولة محسوبين على الجيش). 
وإذا كانت المؤسسة العسكرية مجالا محفوظا للملك بامتياز، فإن استعراض تاريخ هذه المؤسسة يبرر ذلك بحكم أن المغرب أثناء الاستعمار كان محروما من رمزين: «شؤون الدفاع» و«الشؤون الخارجية»، حيث لم نكن نعثر على هذين المرفقين ضمن الهيكلة السلطانية لتدبير شؤون البلاد، وذلك بمقتضى معاهدة فاس للحماية (مارس 1912). وهذا ما يفسر لماذا كان محمد الخامس يحرص على أن تكون أول إدارة هي إدارة الدفاع، وذلك كتعبير علني عن حصول المغرب فعليا على استقلاله وسيادته. وهو ما يفسر ثانيا لماذا سارع محمد الخامس إلى إصدار ظهير 2 أبريل 1956، أسند بموجبه إلى ولي العهد مولاي الحسن قيادة مجلس أركان الحرب العامة جاء فيه: « إننا أسندنا منصب رئيس مجلس الأركان العامة للقوات المسلحة الملكية لنجلنا البار وولي عهد المملكة المغربية الشريفة مولاي الحسن ابتداء من 22 مارس 1956».
تلازم تاريخ الجيش مع تاريخ الملكية تظهر تجلياته من خلال إمساك القصر لخيوط الملف كلها منذ البدء، ففي 18 أبريل 1956، قدم ولي العهد إلى والده برنامج تكوين الشطر الأول لاستكمال القوات المسلحة الملكية. ثم سفره إلى فرنسا ليدرس مع الحكومة الفرنسية البرنامج الذي وافق عليه الملك. وبعد قضائه شهرا في باريز عاد ولي العهد إلى المغرب حاملا معه اتفاقا يقضي باتخاذ الاجراءات الضرورية لتأسيس جيش وطني مغربي. 
وبفضل مساعدة تقنية لفرنسا لتكوين جيش مغربي تم وضع الوسائل التالية: أركان حرب عامة كلاسيكية، كتيبة المشاة، فرقة المظليين (أسسها أفراد «الكوم» الذين كانوا مع فرنسا)، لواء مصفح، فرقة الهندسة، فرقة النقل، الفرقة  الطبية، فرقة المواصلات السلكية، فرقة الصيانة، خلية الطيران، خلية البحرية الملكية.
وكل هذه الوسائل حشدت لها 12 ألف جندي أغلبهم كانوا يعملون تحت راية الجيش الفرنسي والإسباني كجنود، وبعضهم كان برتبة ضابط. وموازاة مع ذلك، وقعت مفاوضات شاقة مع المقاومة وجيش التحرير بالشمال والجنوب ليسلموا أسلحتهم وينضموا للجيش، مخافة أن تبقى وحدات جيش التحرير المسلحة تمثل تهديدا ضد النظام، فتوفق القصر في إدماج خمسة آلاف من هؤلاء المقاومين ضمن وحدات الجيش النظامي ليصل عدد المنتسبين في بداية خلق المؤسسة العسكرية إلى 17 ألف جندي. وهو العدد الذي قام باستعراض رسمي أمام الملك محمد الخامس يوم 14 ماي 1956، وجعل من هذا التاريخ عيدا رسميا يحتفي به كمحطة لولادة الجيش العصري بالمغرب.
وتم بالموازاة مع ذلك تشكيل مكتب مساعدة عسكرية للقوات المسلحة الملكية  bureau d aide militaire a larmée Royale يضم ضباطا فرنسيين وإسبان. وتم تسطير 10 إلى 15 سنة لملاءمة البنيات مع الواقع: خلق المدارس ومراكز التدريب لكل التخصصات، وإرسال البعثات إلى الخارج للتدريس، مع استرجاع المنشآت العسكرية والقواعد الجوية والبحرية ومستودعات الدخيرة..
وفي انتظار تقعيد أسس الدرك والبوليس والقوات المساعدة، كان الجيش المغربي هو المهيمن على المشهد في مختلف الواجهات: إن على مستوى «الحفاظ على الأمن وضمان سلامة الأرواح والممتلكات» أو على مستوى «الدفاع عن الوحدة الترابية» أو «المساهمة في العمليات الأممية».
هذه الهيمنة استمرت إلى ما بعد السنوات الأولى للاستقلال، لدرجة يصعب تناول المؤسسة الملكية بدون استحضار المؤسسة العسكرية والعكس صحيح. فالجيش كان الأداة التي احتمى بها الملك الراحل لمواجهة خصومه داخل أحزاب الحركة الوطنية التي كانت ترغب في إزاحته أو تقليص أدواره، والجيش كان هو الوسيلة الناجعة لتنفيذ التأويل المالكي باستعمال القوة لسحق كل تمرد محتمل، والجيش كان هو الذراع الأمني لصد عدوان الجزائر عام 1963 وصد عدوانها هي والبوليساريو حاليا في الصحراء. والجيش كان هو الوسيلة لتسويق صورة المغرب الإنساني عبر الحضور العسكري المغربي في عدة عمليات أممية لحفظ السلام، وأيضا لتكسير تلك الصورة النمطية المشكلة حول مغرب القرن 19 كبلد منكمش على نفسه بسبب تكالب الأطماع الاستعمارية آنذاك. والجيش كان هو القناة التي وعت بها المؤسسة الملكية أن أفظع الأخطار المحدقة بها قد تأتي من ضباط «يأكلون النعمة ويسبون الملة» (نموذج انقلاب 71 وانقلاب 72).
اليوم بعد تكريم الملك محمد السادس لعبد الرحمان اليوسفي؛ بإطلاق اسمه على فو ج الضباط الجدد، تكتمل أضلاع المؤسسة العسكرية بتطعيم دمائها بترياق رجل من زمن المقاومة والحركة الوطنية، لترسخ ولائها ووفائها لعقيدة واحدة، ألا وهي عقيدة  "الثالوث المقدس" : الله - الوطن - الملك.