لماذا تأخر الاحتفال بعيد العرش ست سنوات وكيف تم الاحتفال بأول عيد؟

لماذا تأخر الاحتفال بعيد العرش ست سنوات وكيف تم الاحتفال بأول عيد؟ الملك الراحل الحسن الثاني، يتوسط الملك محمد السادس، والملك الراحل محمد الخامس (يسارا)

تبحر جريدة "أنفاس بريس" مع محمد معروف الدفالي، أستاذ تاريخ المغرب المعاصر بكلية الآداب عين الشق بالدارالبيضاء، في حوار مطول ننشره في حلقات في أعماق احتفال المغاربة بعيد العرش ورمزيته وجذوره التاريخية، وكيف فكر شباب الحركة الوطنية في عهد الاستعمار في ابتكار هذا التقليد لضرب خطة الحماية الرامية إلى بناء جدار عازل بين السلطان والوطنيين.

بالنظر إلى أن الحماية كانت تتحدث للسلطان عن الوطنيين بكونهم مارقين وعملاء وجمهوريين.

للتذكير، الحوار المطول - الذي تنشره "أنفاس بريس" - خص به الدفالي، أسبوعية "الوطن الآن" في عددها 530.

يُعد المغرب البلد الوحيد في العالم الذي يحتفل بمناسبة تحمل اسم عيد العرش. لهذا يطرح التساؤل حول السياق الذي أفرز هذا العيد، ثم مغزى هذه التسمية، علما أن المشرع أطلق عليه اسم «التذكار» عند صدور القرار بالجريدة الرسمية؟

إذا حاولنا أن نتتبع السياق الذي ظهرت فيه هذه الفكرة التي ابتكرها الوطنيون الشباب سنة 1933، سنجد أن عيد العرش ارتبط أساسا بعلاقة الثلاثي المتكون من الوطنيين الشباب كطرف، ثم الحماية كطرف ثان، والسلطان من جهة ثالثة. إذ وبعد أن التزم الفرنسيون من خلال معاهدة الحماية بضمان أمن السلطان والعرش لاستمراريته، تم استغلال هذا الالتزام استغلالا سلبيا من قبل تلك الحماية التي تتصرف في كل شيء باسم السلطان. وبذلك، حولت إيديولوجيا كل معارضة لها إلى عصيان ضد السلطان، معتبرة من قاوم الفرنسيين سواء في الجبال أو الصحراء أنهم أناس سائبون وخارجون عن سلطة السلطان. الأمر الذي يكسبها حق مواجهتهم لإعادتهم إلى جادة الجواب. كما أنها صنفت الشباب الوطني حين تحرك سنة 1930 ضد الظهير البربري ضمن خانة الصبيان الطائشين والمتبنين لتصرفات غير لائقة لا بالمجتمع ولا بالاحترام الواجب للسلطان المسؤول الأوحد عن هذا البلد. وليس هذا فحسب، بل وصفتهم من جهة أخرى بالعملاء لبريطانيا تارة، ولروسيا تارة ثانية، وفي مواضع ثالثة ورابعة لكل من اليسار الفرنسي وألمانيا. وطبعا، فقد كان الشباب الوطني واعيا بجميع هذه الأمور، مما حصر همه في الوصول إلى وسيلة يوحد بها الرؤى مع السلطان، وفي الوقت نفسه سحب البساط من تحت أقدام الحماية.

وفي هذا المنحى يمكن الحديث عن مجموعة من المبادرات، وإن كان أبرزها تلك التي شهدها شهر أكتوبر من سنة 1933 في إطار فكرة الاحتفال بذكرى جلوس السلطان على العرش. وبما أن المناسبة شرط، فإنه كان للفكرة ارتباط وثيق بالصحافة. وهنا أشير إلى جريدة «لاكسيون دي بوبل» أو «عمل الشعب» التي كان يصدرها محمد بن الحسن الوزاني من مدينة فاس. فهذه الجريدة هي التي نشرت في عددها 12 المؤرخ بأكتوبر 1933 صورة للسلطان محمد بن يوسف بلباسه التقليدي تشغل ربع الصفحة تقريبا. وتحتها كتبت عبارات تقول إن «تاريخ 18 نونبر قريب، وبأن هذا الموعد هو الذي جلس فيه السلطان محمد بن يوسف على عرش أسلافه. وبالتالي نريد أن نحتفل بذكرى هذا الجلوس باسم عيد العرش». وأعقبت هذه الإشارة إشارة أخرى تشدد على أنه «حبذا لو تكرم السلطان وأصدر عفوا في حق الشباب الوطني المعتقل بدون ذنب. وأن السلطان إن خطا هذه الخطوة سيكون لها وقع مهم في الأوساط الوطنية من الشعب». طبعا، لما نلاحظ هذه الأسطر نجد أنها تتحدث عن السلطان والشعب والحركة الوطنية، وكأن الهدف هو خلق تقارب قوي ما بين هذا الثالوث «السلطان، الحركة الوطنية، الشعب». والأكثر من ذلك أنها وجهت نداء إلى سلطات الحماية بألا تعرقل هذه الفكرة المبادرة. وإذا كان من نتيجة أولى نخلص إليها في هذا الصدد هي أنه لأول مرة تنشر جريدة وطنية صورة للسلطان. أما الثانية فتتجسد في ملامح الفكرة بحد ذاتها، والتي جاءت في العمود الذي كان يحمل اسم «حديث شاب» من تحرير الجزائري صالح ميسة، صاحب الفكرة. هذا الأخير الذي طرحها بغير اسمه المباشر، بل باسم استعاره من صديق سلاوي له وهو محمد حصار أحد الوطنيين المغاربة المشتغلين معه في مجلة «المغرب» التي كان يصدرها باللغة العربية من الرباط. وقد أشرت إلى هذه الجزئية حتى أزيل اللبس الذي أدى بالبعض إلى نسب الفكرة لحصار.

* ما الداعي الذي دفع صالح ميسة الجزائري الأصل، إلى اقتراح هذه الفكرة؟

هو بالفعل جزائري، لكنه كان متعاطفا على نحو قوي مع الوطنيين. ولأنه لم يكن بإمكانه الكشف عن اسمه علنيا لاشتغاله ترجمانا بالمحكمة الفرنسية، وبالتالي اختار الاختفاء وراء اسم صديقه محمد حصار، من خلال الجريدة والمتعاطفين معها الذين استقطب إليهم الشيوخ والكهول إلى جانب الشباب. وبعد الإعلان الأول أصدرت المجلة نفسها في الأعداد الموالية مقالا باسم عيد العرش، وتحدثت فيه عن تكوين لجان للتهيئ للاحتفال، بدليل أن بعض تلك اللجان كان يترأسها الشيخ أبو شعيب الدكالي. وقد استمرت هذه الأمور في إطارها الصحفي، لتكثف الجريدة يوم 10 نونبر من حديثها حول الموضوع. وفي يوم 18 نونبر بثت مجموعة من الدعاة ممن استدعوا الناس للحضور بمقهى بجنان السبيل في فاس دون أن تشعرهم بالسبب، حيث حضر جمهور غفير من الشباب بالأساس، وتلاميذ ثانوية مولاي إدريس والمدارس الحرة، وطلبة جامع القرويين، بالإضافة إلى مجموعة عمل الشعب المتعاطفين مع الوطنيين. فكل هؤلاء حضروا، كما قلت، إلى المقهى ليفاجأوا بتوزيع الحلويات والمشروبات الغازية عليهم دون علم السبب إلا في لحظة معينة قيل لهم أثناءها «إننا نحتفل بعيد العرش»، قبل أن تلقى خطب قصيرة دلت على أن الناس هيِأوا لعملهم، كما رددت مجموعة أناشيد وقصائد شعرية تهتم لأول مرة بمناسبة عيد العرش كتلك التي نظمها الشاعر محمد المقري استطاع أن يجمع فيها ما بين العرش والسلطان وعمل الشعب. أما إن حاصرنا المناسبة في حد ذاتها، وكيف قرأها الوطنيون، سنتوصل إلى مقاربات متعددة، من ضمنها القراءة الواضحة التي تؤكد على «ضرورة حدوث تقارب بيننا وبين السلطان»، و«توحيد الرؤى»، لأن «مستقبل البلد مرتبط بالشرعية وسلطة السلطان». وبالتالي «لا يجب ترك الحماية تتصرف كما يحلو لها وتصنفنا كما تريد».

هل هذا ما يفسر تأخر الاحتفال بعيد العرش 6 سنوات بعد جلوس محمد الخامس على العرش، علما أن هذا الأخير نصب سلطانا عام 1927؟

طبعا، فالفكرة أتت في إطار الصراع بين الحركة الوطنية والحماية. ويمكن تسميته بالسياق العميق للفكرة. ثم من الوطنيين من يحلل بأن المناسبة هي من أجل إظهار الولاء للملك. لأن الفرنسيين كانوا يتحدثون إلى السلطان على أساس أن هؤلاء الشباب إنما هم مجرد مجموعة من المارقين والعملاء، وأنهم زمرة ممن يفكرون تفكيرا جمهوريا. وتأكيدا لذلك، فإن الحماية كانت تعرف ما تريد، إذ بقدر ما باعدت بين السلطان والحركة الوطنية، بقدر ما استطاعت أن تتحكم في هذه الحركة وأن تلجمها متى تريد. إذن، يمكن القول بأن الوطنيين أرادوا بهذا بطرح فكرة الاحتفال بعيد العرش، حسب قاسم الزهيري أساسا، أن يبينوا ولاءهم للسلطان، ومن خلاله سحب البساط من تحت أقدام الحماية.

ولكن الحماية ليست بليدة إلى هذا المستوى، لأنه في السنة الموالية أي 1934 نجد أنها هي التي أشرت في الجريدة الرسمية. على اعتماد عيد العرش كعيد رسمي. ماتفسيرك لموقفها؟

هذا نوع من الاستباق فقط، لأنها فهمت أن الوطنيين سيتشبثون كل سنة بالذكرى، وأن هذا التشبث سيفرض الاحتفال السنوي. لهذا. ولكي تحوز نوعا من السبق بادرت إلى ترسيم المناسبة بقرار 31 أكتوبر 1934 الذي جعلت فيه هذا العيد عيدا رسميا وفق ما نشر في الجريدة الرسمية عدد 2 نونبر 1934. وإن بشروط: أي أن يكون الاحتفال بالمدن فقط ولا يطال الوسط القروي، وألا يكون مصحوبا بخطب ولا بتجمعات جماهيرية كبيرة ولا بشعارات. وعليه، فقد قننت هذا الاحتفال. وهنا سنفهم لماذا كان هذا النوع من التسابق. يعني حتى تتحكم في الأمر ولا يتجاوزها. لكن مع ذلك، لما أصدرت هذا القرار، اعتبر الأمر انتصارا للوطنيين.

محمد معروف الدفالي

يتبع